وانصرفا. وقوله تعالى: بِأَفْواهِكُمْ تأكيد لبطلان القول، أي أنه لا حقيقة له في الوجود إنما هو قول فقط، وهذا كما تقول أنا أمشي إليك على قدم، فإنما تؤكد بذلك المبرة وهذا كثير، ويَهْدِي معناه يبين، فهو يتعدى بغير حرف جر، وقرأ قتادة «يهدّي» بضم الياء وفتح الهاء وشد الدال، والسَّبِيلَ هو سبيل الشرع والإيمان، وابن كثير والكسائي وعاصم في رواية حفص يقفون «السبيلا» ويطرحونها في الوصل، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بالألف وصلا ووقفا، وقرأ أبو عمرو وحمزة بغير ألف وصلا ووقفا، وهذا كله في غير هذا الموضع، واتفقوا هنا خاصة على طرح الألف وصلا ووقفا لمكان ألف الوصل التي تلقى اللام.
أمر الله تعالى في هذه الآية بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصلب فمن جهل ذلك فيه كان مولى وأخا في الدين، فقال الناس زيد بن حارثة وسالم مولى أبي حذيفة إلى غير ذلك.
وذكر الطبري أن أبا بكرة قرأ هذه الآية ثم قال: أنا ممن لا يعرف أبوه فأنا أخوكم في الدين ومولاكم، قال الراوي: ولو علم والله أن أباه حمارا لا نتمى إليه.
قال الفقيه الإمام القاضي: ورجال الحديث يقولون في أبي بكرة نفيع بن الحارث، وأَقْسَطُ معناه أعدل، وقال قتادة: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ادعى إلى غير أبيه متعمدا حرم الله عليه الجنة، وقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ الآية رفع للحرج عمن وهم ونسي وأخطأ فجرى على العادة من نسبة زيد إلى محمد وغير ذلك مما يشبهه، وأبقى الجناح في التعمد مع النهي المنصوص، وقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً يريد لما مضى من فعلهم في ذلك، ثم هي صفتان لله تعالى تطرد في كل شيء، وقالت فرقة «خطأهم» فيما كان سلف من قولهم ذلك.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا ضعيف لا يتصف ذلك بخطأ إلا بعد النهي وإنما «الخطأ» هنا بمعنى النسيان وما كان مقابل العمد، وحكى الطبري عن قتادة أنه قال:«الخطأ» الذي رفع الله تعالى فيه الجناح أن تعتقد في أحد أنه ابن فلان فتنسبه إليه وهو في الحقيقة ليس بابنه، والعمد هو أن تنسبه إلى فلان وأنت تدري أنه ابن غيره، والخطأ مرفوع عن هذه الأمة عقابه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه» . وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أخشى عليكم النسيان. وإنما أخشى