روي أن بعض الناس لما نزلت آية الاستئذان تعمق في الأمر فكان لا يأتي موضعا خربا ولا مسكونا إلا سلم واستأذن فنزلت هذه الآية أباح الله فيها رفع الاستئذان في كل بيت لا يسكنه أحد، لأن العلة إنما هي في الاستئذان خوف الكشفة على الحرامات فإذا زالت العلة زال الحكم، ومثل أهل التأويل من هذه البيوت أمثلة فقال محمد بن الحنيفة وقتادة ومجاهد هي الفنادق التي في طرق المسافرين، قال مجاهد لا يسكنها أحد بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل وفِيها مَتاعٌ لهم أي استمتاع بمنفعتها، ومثل عطاء في بيوت غير مسكونة بالخرب التي يدخلها الإنسان للبول والغائط ففي هذا أيضا متاع، وقال ابن زيد والشعبي هي حوانيت القيساريات والسوق، وقال الشعبي لأنهم جاؤوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس هلم، ع هذا قول غلط قائله لفظ المتاع، وذلك أن بيوت القيسارية محظورة بأموال الناس غير مباحة لكل من أراد دخولها بإجماع، ولا يدخلها إلا من أذن له بها، بل أربابها موكلون بدفع الناس عنها، وقال محمد بن الحنفية أيضا أراد تعالى دور مكة، وهذا على القول بأنها غير متملكة وأن الناس شركاء فيها وأن مكة أخذت عنوة، وهذا هو في هذه المسألة القول الضعيف، يرده قوله عليه السلام «وهل ترك لنا عقيل منزلا» وقوله «من دخل دار أبي سفيان»«ومن دخل داره» وغير ذلك من وجوه النظر وباقي الآية بين ظاهره التوعد.
قوله قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ بمنزلة قوله إنهم، فقوله يَغُضُّوا جواب الأمر، وقال المازني المعنى قل لهم غضوا يَغُضُّوا. ويلحق هذين من الاعتراض أن الجواب خبر من الله وقد يوجد من لا يغض وينفصل بأن المراد يكونون في حكم من يغض، وقوله مِنْ أَبْصارِهِمْ أظهر ما في مِنْ أن تكون للتبعيض وذلك أن أول نظرة لا يملكها الإنسان وإنما يغض فيما بعد ذلك فقد وقع التبعيض، ويؤيد هذا التأويل ما روي من قوله عليه السلام لعلي بن أبي طالب «لا تتبع النظرة فإن الأولى لك وليست لك الثانية» الحديث.
وقال جرير بن عبد الله سألت النبي عليه السلام عن نظرة الفجأة فقال «اصرف بصرك» ويصح أن تكون مِنْ لبيان الجنس، ويصح أن تكون لابتداء الغاية، والبصر هو الباب الأكبر إلى القلب وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه، و «حفظ الفروج» يحتمل أن يريد في الزنى ويحتمل أن يريد في ستر العورة والأظهر أن الجميع مراد واللفظ عام، وبهذه الآية حرم العلماء دخول