أنصاف ذراعيه، ولم يقل بهذا الحديث أحد من العلماء فيما حفظت، وما حكي الداودي من أن الكوعين فرض والمرافق سنة والآباط فضيلة، فكلام لا يعضده قياس ولا دليل، وإنما عمم قوم لفظة اليد فأوجبوه من المنكب، وقاس قوم على الوضوء فأوجبوه من المرافق، وعمم جمهور الأمة، ووقف قوم مع الحديث في الكوعين، وقيس أيضا على القطع، إذ هو حكم شرعي وتطهير، كما هذا تطهير، ووقف آخرون مع حديث عمار في الكفين، واختلف المذهب في تحريك الخاتم وتخليل الأصابع على قولين، يجب ولا يجب.
الرؤية في قوله أَلَمْ تَرَ من رؤية القلب، وهي علم بالشيء، وقال قوم: معناه «ألم تعلم» وقال آخرون: «ألم تخبر» ، وهذا كله يتقارب، والرؤية بالقلب تصل بحرف الجر وبغير حرف الجر، والمراد ب الَّذِينَ: اليهود، قاله قتادة وغيره، ثم اللفظ يتناول معهم النصارى، وقال ابن عباس: نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوت اليهودي، وأُوتُوا أعطوا، و «النصيب» الحظ، والْكِتابِ: التوراة والإنجيل، وإنما جعل المعطى نصيبا في حق كل واحد منفرد، لأنه لا يحصر علم الكتاب واحد بوجه، ويَشْتَرُونَ عبارة عن إيثارهم الكفر وتركهم الإيمان، فكأنه أخذ وإعطاء، هذا قول جماعة، وقالت فرقة: أراد الذين كانوا يعطون أموالهم للأحبار على إقامة شرعهم فهذا شراء على وجهه على هذا التأويل، وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ، معناه أن تكفروا، وقرأ النخعي، «وتريدون أن تضلوا» ، بالتاء منقوطة من فوق في تريدون.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الآية وما بعدها، تقتضي توبيخا للمؤمنين على استنامة قوم منهم إلى أحبار اليهود، في سؤال عن دين، أو في موالاة أو ما أشبه ذلك، وهذا بيّن في ألفاظها، فمن ذلك، وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا، أي تدعوا الصواب في اجتنابهم، وتحسبوهم غير أعداء، والله أعلم بهم، وقوله:
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ خبر في ضمنه التحذير منهم، وبالله، في قوله: وَكَفى بِاللَّهِ في موضع رفع بتقدير زيادة الخافض، وفائدة زيادته تبيين معنى الأمر في لفظ الخبر، أي اكتفوا بالله، فالباء تدل على المراد من ذلك، وَلِيًّا فعيلا، ونَصِيراً كذلك، من الولاية والنصر.
وقوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ هادُوا قال بعض المتأولين مِنَ راجعة على الَّذِينَ الأولى، فهي على هذا متعلقة ب تَرَ، وقالت طائفة، هي متعلقة ب نَصِيراً والمعنى ينصركم من الذين هادوا، فعلى