للحوادث التي تظهر عن الإرادة فإنها تجيء مؤتنفة من تطهير المؤمنين وإتمام النعم عليهم، وتعدية أراد وما تصرف منه بهذه اللام عرف في كلام العرب، ومنه قول الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل
قال سيبويه وسألته رحمه الله عن هذا فقال، المعنى إرادتي لأنسى، ومن ذلك قول قيس بن سعد:
أردت لكيما يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود
ويحتمل أن يكون في الكلام مفعول محذوف تتعلق به اللام وما قال الخليل لسيبويه أخصر وأحسن، ويعترض هذا الاحتمال في المفعول المحذوف بأن من تصير زائدة في الواجب وينفصل بأن قوة النفي الذي في صدر الكلام يشفع لزيادة من وإن لم يكن النفي واقعا على الفعل الواقع على الحرج، ولهذا نظائر، والحرج الضيق، والحرجة الشجر الملتف المتضايق، ومنه قيل يوم بدر في أبي جهل إنه كان في مثل الحرج من الرماح ويجري مع معنى هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم «دين الله يسر» وقوله «بعثت بالحنيفية السمحة» . وجاء لفظ الآية على العموم والشيء المذكور بقرب هو أمر التيمم والرخصة فيه وزوال الحرج في تحمل الماء أبدا ولذلك قال أسيد: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.
وقوله تعالى: وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ الآية، إعلام بما لا يوازى بشكر من عظيم تفضله تبارك وتعالى، ولَعَلَّكُمْ: ترجّ في حق البشر، وقرأ سعيد بن المسيب «يطهركم» بسكون الطاء وتخفيف الهاء.
الخطاب بقوله: وَاذْكُرُوا إلى آخر الآية هو للمؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم ونِعْمَةَ اللَّهِ اسم جنس يجمع الإسلام وجمع الكلمة وعزة الحياة وغنى المال وحسن المآل، هذه كلها نعم هذه الملة، والميثاق المذكور هو ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في بيعات العقبة وبيعة الرضوان وكل موطن قال الناس فيه سمعنا وأطعنا هذا قول ابن عباس والسدي وجماعة من المفسرين. وقال مجاهد: الميثاق المذكور هو المأخوذ على النسم حين استخرجوا من ظهر آدم، والقول الأول أرجح وأليق بنمط الكلام.
ثم أمر تعالى المؤمنين بالقيام دأبا متكررا بالقسط وهو العدل، وقد تقدم نظير هذا في سورة النساء وتقدم في صدر هذه السورة نظير قوله: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ [المائدة: ٢] وباقي الآية بيّن متكرر والله المعين.