يمسح بيديه بعد ذلك فيكون المرء غاسلا ماسحا، قال: ولذلك كره أكثر العلماء للمتوضىء أن يدخل رجليه في الماء دون أن يمر يديه.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وقد جوز ذلك قوم منهم الحسن البصري وبعض فقهاء الأمصار. وجمهور الأمة من الصحابة والتابعين على أن الفرض في الرجلين الغسل وأن المسح لا يجزىء. وروي ذلك عن الضحاك وهو يقرأ بضم اللام، والكلام في قوله إِلَى الْكَعْبَيْنِ كما تقدم في قوله إِلَى الْمَرافِقِ. واختلف اللغويون في الْكَعْبَيْنِ فالجمهور على أنهما العظمان الناتئان في جنبي الرجل. وهذان هما حد الوضوء بإجماع فيما علمت، واختلف هل يدخلان في الغسل أم لا كما تقدم في المرفق. وقال قوم الكعب هو العظم الناتئ في وجه القدم حيث يجتمع شراك النعل.
قال القاضي أبو محمد: ولا أعلم أحدا جعل حد الوضوء إلى هذا ولكن عبد الوهاب في التلقين جاء في ذلك بلفظ فيه تخليط وإبهام. قال الشافعي رحمه الله لم أعلم مخالفا في أن الْكَعْبَيْنِ هما العظمان في مجمع مفصل الساق، وروى الطبري عن يونس عن أشهب عن مالك قال: الكعبان اللذان يجب الوضوء إليهما هما العظمان الملتصقان بالساق المحاذيان للعقب وليس الكعب بالظاهر في وجه القدم.
قال القاضي أبو محمد: ويظهر ذلك من الآية من قوله في الأيدي إِلَى الْمَرافِقِ أي في كل يد مرفق ولو كان كذلك في الأرجل لقيل إلى الكعوب فلما كان في كل رجل كعبان خصا بالذكر، وألفاظ الآية تقتضي الموالاة بين الأعضاء واختلف العلماء في ذلك فقال ابن أبي سلمة وابن وهب ذلك من فروض الوضوء في الذكر والنسيان، وقال ابن عبد الحكم ليس بفرض مع الذكر، وقال مالك هو فرض مع الذكر ساقط مع النسيان، وكذلك تتضمن ألفاظ الآية الترتيب واختلف فيه فقال الأبهري الترتيب سنة، وظاهر المذهب أن التنكيس للناسي مجزىء، واختلف في العامد فقيل: يجزىء ويرتب في المستقبل، وقال أبو بكر القاضي وغيره: لا يجزىء لأنه عابث.
وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً الجنب مأخوذ من الجنب لأنه يمس جنبه جنب امرأة في الأغلب، ومن المجاورة والقرب قيل وَالْجارِ الْجُنُبِ [النساء: ٣٦] ، ويحتمل الجنب أن يكون من البعد إذ البعد جنابة ومنه تجنبت الشيء إذا بعدت عنه، فكأنه جانب الطهارة وعلى هذا يحتمل أن يكون الْجارِ الْجُنُبِ [النساء: ٣٦] هو البعيد الجوار ويكون مقابلا للصاحب بالجنب و «اطهروا» أمر بالاغتسال بالماء، ولذلك رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن مسعود وغيرهما أن الجنب لا يتيمم البتة بل يدع الصلاة حتى يجد الماء، وقال جمهور الناس: بل هذه العبارة هي لواجد الماء، وقد ذكر الجنب أيضا بعد في أحكام عادم الماء بقوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ إذ الملامسة هنا الجماع، والطهور بالماء صفته أن يعم الجسد بالماء وتمر اليد مع ذلك عليه، هذا هو مشهور المذهب، وروى محمد بن مروان الظاهري وغيره عن مالك أنه يجزىء في غسل الجنابة أن ينغمس الرجل في الماء دون تدلك، وقد تقدم في سورة النساء تفسير قوله عز وجل: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى إلى قوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ وقراءة من قرأ «من الغيط» .
وقوله تعالى: ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ الإرادة صفة ذات وجاء الفعل مستقبلا مراعاة