المعنى قُلْ يا محمد لهؤلاء الكفرة هم بسبيل مصير إلى هذه الأحوال من النار، أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ؟ وهذا على جهة التوقيف والتوبيخ، ومن حيث كان الكلام استفهاما جاز فيه مجيء لفظ التفضيل بين الجنة والنار في الخير لأن الموقف جائز له أن يوقف محاورة على ما يشاء ليرى هل يجيبه بالصواب أو بالخطأ، وإنما يمنع سيبويه وغيره من التفضيل بين شيئين لا اشتراك بينهما في المعنى الذي فيه تفضيل إذا كان الكلام خبرا لأنه فيه محالية، وأما إذا كان استفهاما فذلك سائغ، وقيل الإشارة بقوله أَذلِكَ إلى الجنات التي تجري من تحتها الأنهار وإلى القصور التي في قوله تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ [الفرقان: ١٠] ، وهذا على أن يكون الجعل في الدنيا وقيل الإشارة بقوله أَذلِكَ خَيْرٌ إلى الكنز والجنة التي ذكر الكفار.
قال الفقيه الإمام القاضي: والأصح إن شاء الله أن الإشارة بقوله أَذلِكَ إلى النار كما شرحناه آنفا، والْمُتَّقُونَ في هذه الآية من اتقى الشرك فإنه داخل في الوعد، ثم تختلف المنازل في الوعد بحسب تقوي المعاصي، وقوله وَعْداً مَسْؤُلًا يحتمل معنيين وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وابن زيد إنه مسؤول لأن المؤمنين سألوه أو يسألونه، وروي أن الملائكة سألت الله نعيم المتقين فوعدهم بذلك، قال محمد بن كعب هو قول الملائكة ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم، والمعنى الثاني ذكره الطبري عن بعض أهل العربية أن يريد وعدا واجبا قد حتمه فهو لذلك معد أن يسأل ويقتضي وليس يتضمن هذا التأويل أن أحدا سأل الوعد المذكور.
المعنى واذكر يوم، والضمير في يَحْشُرُهُمْ للكفار، وقوله وَما يَعْبُدُونَ يريد به كل شيء عبد من دون الله فغلب العبارة عما لا يعقل من الأوثان لأنها كانت الأغلب وقت المخاطبة، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص والأعرج وأبو جعفر «يحشرهم»«فيقول» بالياء، وفي قراءة عبد الله «وما يعبدون من دونك» ، وقرأ الأعرج «نحشرهم» بكسر الشين وهي قليل في الاستعمال قوية في القياس لأن يفعل بكسر العين في المتعدي أقيس من يفعل بضم العين، وهذه الآية تتضمن الخبر عن أن الله يوبّخ الكفار في القيامة بأن يوقف المعبودين على هذا المعنى ليقع الجواب بالتبري من الذنب فيقع الخزي على الكافرين، واختلف الناس في الموقف المجيب في هذه الآية، فقال جمهور المفسرين هو كل من ظلم بأن عبد ممن