قال القاضي أبو محمد: وهو وهم ممن نسبه إلى ابن عباس لأن السورة والآية مكية بإجماع ولأن عبد الله بن أبي لم يجاهر قط هذه المجاهرة، واسم أبي هو الذي خلط على الرواة، لأن الصحيح هو ما رواه ابن وهب عن مالك، وقاله ابن إسحاق وغيره، من أن أبي بن خلف أخا أمية بن خلف هو الذي جاء بالعظم الرميم بمكة ففته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم وحياله، وقال من يحيي هذا يا محمد؟ ولأبي مع النبي صلى الله عليه وسلم مقامات ومقالات إلى أن قتله يوم أحد بيده بالحربة بجرح في عنقه، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي حين فت العظم «الله يحييه ويميتك ويحييك ويدخلك جهنم» ثم نزلت الآية مبينة ومقيمة للحجة في أن الإنسان نطفة ثم يكون بعد ذلك خصيما مبينا هل هذا إلا إحياء بعد موت وعدم حياة، وقوله وَنَسِيَ يحتمل أن يكون نسيان الذهول ويحتمل أن يكون نسيان الترك، و «الرميم» البالي المتفتت، وهو الرفات ثم دلهم تعالى على الاعتبار بالنشأة الأولى، ثم عقب ذلك تعالى بدليل ثالث في إيجاد النار في العود الأخضر المرتوي ماء، وهذا هو زناد العرب والنار موجودة في كل عود غير أنها في المتخلخل المفتوح المسام أوجد، وكذلك هو المرخ والعفار، وأعاد الضمير على الشجر مذكرا من حيث راعى اللفظ فجاء كالتمر والحصا وغيره.
هذا تقرير وتوقيف على أمر تدل صحته على صحة بعث الأجساد من القبور وإعادة الموتى وجمع الضمير جمع من يعقل في قوله مِثْلَهُمْ من حيث كانتا متضمنتين من يعقل من الملائكة والثقلين، هذا تأويل جماعة من المفسرين، وقال الرماني وغيره: الضمير في مثلهم عائد على الناس.
قال القاضي أبو محمد: فهم مثال للبعث، وتكون الآية نظير قوله تعالى: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر: ٥٧] وقرأ سلام أبو المنذر وابن أبي إسحاق ويعقوب والأعرج «والأرض يقدر» على يفعل مستقبلا، وقرأ جمهور «بقادر» ، وقرأ جمهور الناس «الخلاق» ، وقرأ الحسن «الخالق» ورفع «يكون» على معنى فهو يكون، وهي قراءة الجمهور وقرأ ابن عامر والكسائي «فيكون» بالنصب، قال أبو علي: لا ينصب الكسائي إذا لم تتقدم «أن» وينصب ابن عامر وإن لم تتقدم «أن» ، والنصب هاهنا قراءة ابن محيصن وقوله تعالى: كُنْ أمر للشيء المخترع عند تعلق القدرة به لا قبل ذلك ولا بعده، وإنما يؤمر تأكيدا للقدرة وإشارة بها، وهذا أمر دون حروف ولا أصوات بل من كلامه القائم بذاته لا رب سواه، ثم نزه تعالى نفسه تنزيها عاما مطلقا، وقرأ جمهور الناس «ملكوت» ، وقرأ طلحة التيمي والأعمش «ملكه» بفتح اللام ومعناه ضبط كل شيء والقدرة عليه، وباقي الآية بين.