قد عوّدتهم ظباهم أن تكون لهم ... ريح القتال وأسلاب الذين لقوا
ومن استعارة الريح قول الآخر:[الوافر]
إذا هبت رياحك فاغتنمها ... فإن لكل عاصفة سكون
وهذا كثير مستعمل، وقال ابن زيد وغيره: الريح على بابها، وروي أن النصر لم يكن قط إلا بريح تهب فتضرب في وجوه الكفار، واستند بعضهم في هذه المقالة إلى قوله صلى الله عليه وسلم:«نصرت بالصبا» . وقال الحكم وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ يعني الصبا إذ بها نصر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
قال القاضي أبو محمد: وهذا إنما كان في غزوة الخندق خاصة، وقوله وَاصْبِرُوا إلى آخر الآية، تتميم في الوصية وعدة مؤنسة، وقوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ الآية، آية تتضمن الطعن على المشار إليهم وهم كفار قريش، وخرج ذلك على طريق النهي عن سلوك سبيلهم، والإشارة هي إلى كفار قريش بإجماع، و «البطر» الأشر وغمط النعمة والشغل بالمرح فيها عن شكرها، و «الرياء» المباهاة والتصنع بما يراه غيرك، وهو فعال من راءى يرائي سهلت همزته، وروي أن أبا سفيان لما أحس أنه قد تجاوز بعيره الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بعث إلى قريش فقال:«إن الله قد سلم عيركم التي خرجتم إلى نصرتها فارجعوا سالمين قد بلغتم مرادكم» ، فأتى رأي الجماعة على ذلك، فقال أبو جهل: والله لا نفعل حتى نأتي بدرا، وكانت بدر سوقا من أسواق العرب لها يوم موسم، فننحر عليها الإبل ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان ويسمع بنا العرب ويهابنا الناس.
قال القاضي أبو محمد: فهذا معنى قوله تعالى: وَرِئاءَ النَّاسِ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللهم إن قريشا أقبلت بفخرها وخيلائها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم فاحنها الغداة» ، وقال محمد بن كعب القرظي: خرجت قريش بالقيان والدفوف، وقوله وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أي غيرهم.
قال القاضي أبو محمد: لأنهم أحرى بذلك من أن يقتصر صدهم على أنفسهم، وقوله وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ آية تتضمن الوعيد والتهديد لمن بقي من الكفار ونفوذ القدر فيمن مضى بالقتل.