للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، فنزلت: الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ، أي هو عليكم في الامتناع من القتال أو الاستباحة بالشهر الحرام عليهم في الوجهين، فأية سلكوا فاسلكوا، والْحُرُماتُ على هذا جمع حرمة عموما: النفس والمال والعرض وغير ذلك، فأباح الله بالآية مدافعتهم. والقول الأول أكثر.

وقالت فرقة: قوله: وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ مقطوع مما قبله، وهو ابتداء أمر كان في أول الإسلام أن من انتهك حرمتك نلت منه مثل ما اعتدى عليك به، ثم نسخ ذلك بالقتال.

وقالت طائفة: ما تناول من الآية التعدي بين أمة محمد والجنايات ونحوها لم ينسخ، وجائز لمن تعدي عليه في مال أو جرح أن يتعدى بمثل ما تعدي عليه به إذا خفي ذلك له، وليس بينه وبين الله في ذلك شيء، قاله الشافعي وغيره، وهي رواية في مذهب مالك.

وقالت طائفة منهم مالك: ليس ذلك له، وأمور القصاص وقف على الحكام، والأموال يتناولها قول النبي صلى الله عليه وسلم «أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» .

وقرأ الحسن بن أبي الحسن «والحرمات» بسكون الراء.

وقوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ الآية، اختلف في نسخ هذه الآية حسبما تقدم، وسمي الجزاء على العدوان عدوانا كما قال اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: ١٥] إلى غير ذلك، وَاتَّقُوا اللَّهَ، قيل:

معناه في أن لا تعتدوا، وقيل: في أن لا تزيدوا على المثل.

وقال ابن عباس: «نزلت هذه الآية وما هو في معناها بمكة والإسلام لم يعزّ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعز دينه أمر المسلمون برفع أمورهم إلى حكامهم وأمروا بقتال الكفار» .

وقال مجاهد: «بل نزلت هذه الآية بالمدينة بعد عمرة القضاء، وهي من التدريج في الأمر بالقتال» .

قوله عز وجل:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٩٥ الى ١٩٦]

وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٩٦)

سَبِيلِ اللَّهِ هنا الجهاد، واللفظ يتناول بعد جميع سبله.

وقال أبو عبيدة وقوم: الباء في قوله بِأَيْدِيكُمْ زائدة، التقدير تلقوا أيديكم.

وقال الجمهور: ذلك ضرب مثل، تقول ألقى فلان بيده في أمر كذا إذا استسلم، لأن المستسلم في القتال يلقي سلاحه بيده، فكذلك فعل كل عاجز في أي فعل كان، ومنه قول عبد المطلب: «والله إن إلقاءنا بأيدينا إلى الموت لعجز» .

<<  <  ج: ص:  >  >>