للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحارث لأن معنى الصفة باق في الصفة الغالبة، وقرأت طائفة «ولا طائر» عطفا على اللفظ وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة «ولا طائر» بالرفع عطفا على المعنى، وقرأت فرقة «ولا طير» وهو جمع «طائر» وقوله: بِجَناحَيْهِ تأكيد وبيان وإزالة للاستعارة المتعاهدة في هذه اللفظة فقد يقال «طائر» السعد والنحس.

وقوله تعالى:

أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ أي عمله، ويقال: «طار لفلان طائر» كذا أي سهمه في المقتسمات، فقوله تعالى بِجَناحَيْهِ إخراج للطائر عن هذا كله، وقرأ علقمة وابن هرمز «فرطنا في الكتاب» بتخفيف الراء والمعنى واحد، وقال النقاش معنى «فرطنا» مخففة أخرنا كما قالوا فرط الله عنك المرض أي أزاله، والأول أصوب، والتفريط التقصير في الشيء مع القدرة على ترك التقصير والكتاب القرآن وهو الذي يقتضيه نظام المعنى في هذه الآيات، وقيل اللوح المحفوظ، ومن شيء على هذا القول عام في جميع الأشياء، وعلى القول بأنه قرآن خاص في الأشياء التي فيها منافع للمخاطبين وطرائق هدايتهم، ويُحْشَرُونَ قالت فرقة حشر البهائم موتها، وقالت فرقة حشرها بعثها، واحتجوا بالأحاديث المضمنة أن الله تعالى يقتص للجماء من القرناء، إنما هي كناية عن العدل وليست بحقيقة فهو قول مردود ينحو إلى القول بالرموز ونحوها.

قوله عز وجل:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٣٩ الى ٤١]

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١)

كأنه قال وما من دابة ولا طائر ولا شيء إلا فيه آية منصوبة على وحدانية الله تعالى، ولكن الذين كذبوا صم وبكم لا يتلقون ذلك ولا يقبلونه، وظاهر الآية أنها تعم كل مكذب، وقال النقاش نزلت في بني عبد الدار.

قال القاضي أبو محمد: ثم انسحبت على سواهم، ثم بيّن أن ذلك حكم من الله عز وجل بمشيئته في خلقه فقال مبتدئا الكلام مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ شرط وجوابه، وقوله: فِي الظُّلُماتِ ينوب عن «عمي» ، وفي الظلمات أهول عبارة وأفصح وأوقع في النفس، والصراط الطريق الواضح.

وقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ الآية، ابتداء احتجاج على الكفار الجاعلين لله شركاء، والمعنى أرأيتم إذا خفتم عذاب الله أو خفتم هلاكا أو خفتم الساعة أتدعون أصنامكم وتلجئون إليها في كشف ذلك إن كنتم صادقين في قولكم: إنها آلهة؟ بل تدعون الله الخالق الرزاق فيكشف ما خفتموه إن شاء وتنسون أصنامكم أي تتركونهم، فعبر عن الترك بأعظم وجوهه الذي هو مع الترك ذهول وإغفال، فكيف يجعل إلها من هذه حاله في الشدائد والأزمات؟ وقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة «أرأيتكم» بألف مهموزة على الأصل، لأن الهمزة عين الفعل، وقرأ نافع بتخفيف الهمزة بين على عرف التخفيف وقياسه، وروي عنه أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>