والذين أخذتهم الصَّيْحَةُ قوم ثمود، قاله ابن عباس وقال قتادة: هم قوم شعيب، و «الخسف» كان بقارون، قاله ابن عباس.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويشبه أن يكون أصحاب الرجفة في هذا النوع من العذاب، والغرق كان في قوم نوح، وبه فسر ابن عباس وفي فرعون وحزبه، وبه فسر قتادة، وظلمهم أنفسهم كان بالكفر ووضع العبادة في غير موضعها وقدم المفعول على يَظْلِمُونَ للاهتمام وهذا نحو إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة: ٥] وغيره، وحكى الطبري عن قتادة أن رجفة قوم شعيب كان صيحة أرجفتهم على هذا مع ثمود.
شبه تعالى الكفار في عبادتهم الأصنام وبنائهم جميع أمورهم على ذلك ب الْعَنْكَبُوتِ التي تبني وتجتهد وأمرها كلها ضعيف متى مسته أدنى هابة أذهبته فكذلك أمر أولئك وسعيهم مضمحل لا قوة له ولا معتمد، ومن حديث ذكره النقاش «العنكبوت شيطان مسخه الله تعالى فاقتلوه» ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال:«طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه يورث الفقر» ، وقوله لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، أي يَعْلَمُونَ أن هذا مثلهم وأن حالهم ونسبتهم من الحق هذه الحال، وقوله إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ.
قرأ أبو عمرو وسلام «يعلم ما» بالإدغام، وقرأ عامة القراء بالفك، وقرأ الجمهور «تدعون» بالتاء من فوق، وقرأ أبو عمرو وعاصم بخلاف «يدعون» بالياء من تحت على الغيبة، فأما موضع ما من الإعراب فقيل معناه أن الله يعلم الذين يدعون من دونه من جميع الأشياء أن حالهم هذه وأنهم لا قدرة لهم، وقيل قوله إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ إخبار تام، وقوله وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ متصل به، واعترض بين الكلامين ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ، وذلك على هذا النحو من النظر يحتمل معنيين أحدهما أن تكون ما نافية أي لستم تدعون شيئا له بال ولا قدر ولا خلاق فيصلح أن يسمى شيئا وفي هذا تعليق يَعْلَمُ وفيه نظر، الثاني أن تكون ما استفهاما كأنه قرر على جهة التوبيخ على هذا المعبود من جميع الأشياء ما هو إذ لم يكن الله تعالى أي ليس لهم على هذا التقرير جواب مقنع البتة، ف مِنْ على القول الأول والثالث للتبعيض المجرد، وعلى القول الوسط هي زائدة في الجحد ومعناها التأكيد، وقال أبو علي ما استفهام نصب ب يَدْعُونَ ولا يجوز نصبها ب يَعْلَمُ، والتقدير أن الله يعلم أوثانا تدعون من دونه أو غيره لا يخفى ذلك عليه، وقوله وَتِلْكَ الْأَمْثالُ إشارة إلى هذا المثل ونحوه، ونَضْرِبُها مأخوذ من الضرب