للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد: وذلك كله محتمل لأن «الشيعة» معناها الصنف الشائع الذي يشبه بعضه بعضا والشيع الفرق وإن كان الأعرف أن المتأخر في الزمن هو شيعة للمتقدم ولكن قد يجيء من الكلام عكس ذلك قال الشاعر [الكميت] :

وما لي إلا آل أحمد شيعة ... وما لي إلا مشعب الحق مشعب

فجعلهم شيعة لنفسه، وقوله تعالى: بِقَلْبٍ سَلِيمٍ قال المفسرون: يريد من الشرك والشك وجميع النقائص التي تلحق قلوب بني آدم كالغل والحسد والكبر ونحوه قال عروة بن الزبير: لم يلعن شيئا قط، وقوله أَإِفْكاً استفهام بمعنى التقرير أي أكذبا ومحالا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ، ونصب آلِهَةً على البدل من قوله أَإِفْكاً وسهلت الهمزة الأصلية من الإفك وقوله تعالى: فَما ظَنُّكُمْ توبيخ وتحذير وتوعد، ثم أخبر تعالى عن نظرة إبراهيم عليه السلام في النجوم، وروي أن قومه كان لهم عيد يخرجون إليه فدعوا إبراهيم عليه السلام إلى الخروج معهم فنظر حينئذ واعتذر بالسقم وأراد البقاء خلافهم إلى الأصنام، وقال ابن زيد عن أبي أرسل إليه ملكهم أن غدا عيد فاحضر معنا فنظر إلى نجم طالع فقال إن هذا يطلع مع سقمي، فقالت فرقة معنى «نظر في النجوم» أي فيما نجم إليه من أمور قومه وحاله معهم، وقال الجمهور نظر نجوم السماء، وروي أن علم النجوم كان عندهم منظورا فيه مستعملا فأوهمهم هو من تلك الجهة، وذلك أنهم كانوا أهل رعاية وفلاحة، وهاتان المعيشتان يحتاج فيهما إلى نظر في النجوم، واختلف أيضا في قوله إِنِّي سَقِيمٌ، فقالت فرقة هي كذبة في ذات الله تعالى أخبرهم عن نفسه أنه مريض وأن الكوكب أعطاه ذلك، وقال ابن عباس وغيره: أشار لهم إلى مرض وسقم يعدي كالطاعون ولذلك تولوا مُدْبِرِينَ أي فارين منه، وقال بعضهم بل تولوا مُدْبِرِينَ لكفرهم واحتقارهم لأمره.

قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا التأويل في أنها كذبة يجيء الحديث لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: قوله إِنِّي سَقِيمٌ، وقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء: ٦٣] وقوله في سارة هي أختي، وقالت فرقة: ليست بكذبة ولا يجوز الكذب عليه ولكنها من المعاريض أخبرهم بأنه سقيم في المثال وعلى عرف ابن آدم لا بد أن يسقم ضرورة، وقيل أراد على هذا إِنِّي سَقِيمٌ النفس أي من أموركم وكفركم فظهر لهم من كلامه أنه أراد سقما بالجسد حاضرا وهكذا هي المعاريض.

قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل لا يرده الحديث وذكر الكذبات لأنه قد يقال لها كذب على الاتساع بحسب اعتقاد المخبر، والكذب الذي هو قصد قول الباطل، والإخبار بضد ما في النفس بغير منفعة شرعية، هو الذي لا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم.

قوله عز وجل:

[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٩١ الى ٩٨]

فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥)

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>