تعالى: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ [البقرة: ١٤] بل هو ما يقتضي البغض وعدم المودة، وكان أبو الجوزاء إذا تلا هذه الآية قال: هم الإباضية.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الصفة قد تترتب في أهل بدع من الناس إلى يوم القيامة، وقوله تعالى:
قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ، قال فيه الطبري وكثير من المفسرين: هو دعاء عليهم.
قال القاضي أبو محمد: فعلى هذا يتجه أن يدعى عليهم بهذا مواجهة، قال قوم: بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأمته أن يواجهوهم بهذا.
قال القاضي أبو محمد: فعلى هذا زال معنى الدعاء وبقي معنى التقريع والإغاظة، ويجري المعنى مع قول مسافر بن أبي عمرو:
وننمي في ارومتنا ونفقأ عين من حسدا وينظر إلى هذا المعنى في قوله، مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ قوله تعالى: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ [الحج: ١٥] ، وقوله: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وعيد يواجهون به على هذا التأويل الأخير في مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ و «ذات الصدور» : ما تنطوي عليه، والإشارة هنا إلى المعتقدات ومن هذا قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: إنما هو ذو بطن بنت خارجة، ومنه قولهم: الذيب مغبوط بذي بطنه، وال «ذات» : لفظ مشترك في معان لا يدخل منها في هذه الآية إلا ما ذكرناه.
«الحسنة والسيئة» في هذه الآية لفظ عام في كل ما يحسن ويسوء، وما ذكر المفسرون من الخصب والجدب واجتماع المؤمنين ودخول الفرقة بينهم وغير ذلك من الأقوال، فإنما هي أمثلة وليس ذلك باختلاف وذكر تعالى «المس في الحسنة» ليبين أن بأدنى طروء الحسنة تقع المساءة بنفوس هؤلاء المبغضين، ثم عادل ذلك بالسيئة بلفظ الإصابة وهي عبارة عن التمكن، لأن الشيء المصيب لشيء فهو متمكن منه أو فيه، فدل هذا المنزع البليغ على شدة العداوة، إذ هو حقد لا يذهب عند الشدائد، بل يفرحون بنزول الشدائد بالمؤمنين، وهكذا هي عداوة الحسد في الأغلب، ولا سيما في مثل هذا الأمر الجسيم الذي هو ملاك الدنيا والآخرة وقد قال الشاعر:[البسيط]
كلّ العداوة قد ترجى إزالتها ... إلّا عداوة من عاداك من حسد
ولما قرر تعالى هذا الحال لهؤلاء المذكورين، وأوجبت الآية أن يعتقدهم المؤمنون بهذه الصفة، جاء قوله تعالى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً تسلية للمؤمنين وتقوية لنفوسهم، وشرط ذلك بالصبر والتقوى، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع:«لا يضركم» بكسر الضاد وجزم الراء وهو من ضار يضير