للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: قالُوا رَبَّنا حكاية لقول الأتباع أيضا دعوا على رؤسائهم بأن يكون عذابهم مضاعفا.

قوله عز وجل:

[سورة ص (٣٨) : الآيات ٦٢ الى ٦٦]

وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤) قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٦٦)

الضمير في: قالُوا لأشراف الكفار ورؤسائهم، أخبر الله عنهم أنهم يتذكرون إذا دخلوا النار لقوم من مستضعفي المؤمنين فيقولون هذه المقالة، وهذا مطرد في كل أمة جاءها رسول. وروي أن القائلين من كفار عصر النبي عليه السلام هم أبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأهل القليب ومن جرى مجراهم، قاله مجاهد وغيره، والمعنى: كنا نعدهم في الدنيا أشرارا لا خلاق لهم، وأمال الراء مِنَ الْأَشْرارِ: أبو عمرو وابن عامر والكسائي، وفتحها ابن كثير وعاصم، وأشم نافع وحمزة.

وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا بألف الاستفهام، ومعناها: تقرير أنفسهم على هذا على جهة التوبيخ لها والأسف، أي أتخذناهم سخريا ولم يكونوا كذلك، واستبعد معنى هذه القراءة أبو علي. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: «سخريا» بضم السين، وهي قراءة الأعرج وشيبة وأبي جعفر وابن مسعود وأصحابه ومجاهد والضحاك، ومعناها: من السخرة والاستخدام. وقرأ الباقون: «سخريا» بكسر السين وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وعيسى وابن محيصن ومعناه المشهور من السخر الذي هو الهزء، ومنه قول الشاعر [عامر بن الحارث] : [البسيط]

إني أتاني لسان لا أسر بها ... من علو لا كذب فيها ولا سخر

وقالت فرقة يكون كسر السين من التسخير.

و: أَمْ في قولهم: أَمْ زاغَتْ معادلة ل ما في قولهم: ما لَنا لا نَرى وذلك أنها قد تعادل ما، وتعادل من، وأنكر بعض النحويين هذا، وقال: إنها لا تعادل إلا الألف فقط. والتقدير في هذه الآية: أمفقودون هم أم زاغت؟ ومعنى هذا الكلام: أليسوا معنا أم هم معنا؟ ولكن أبصارنا تميل عنهم فلا تراهم، والزيغ: الميل.

ثم أخبر الله تعالى نبيه بقوله: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ و: تَخاصُمُ بدل من قوله:

لَحَقٌّ.

وقرأ ابن أبي عبلة: «تخاصم» بفتح الميم. وقرأ ابن محيصن: «تخاصم» بالتنوين «أهل النار» برفع اللام.

ثم أمر نبيه أن يتجرد للكفار من جميع الأغراض، إلا أنه منذر لهم، وهذا توعد بليغ محرك للنفوس، وباقي الآية بين.

<<  <  ج: ص:  >  >>