قوله عز وجل:
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٦ الى ١١]
وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠)
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١)
الضمير في قالُوا يراد به كفار قريش. ويروى أن القائلين كانوا: عبد الله بن أبي أمية، والنضر بن الحارث، وأشباههما.
وقرأ الأعمش: «يا أيها الذي ألقي إليه الذكر» .
وقولهم: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ كلام على جهة الاستخفاف، أي بزعمك ودعواك، وهذه المخاطبة كما تقول لرجل جاهل أراد أن يتكلم فيما لا يحسن: يا أيها العالم لا تحسن تتوضأ.
ولَوْ ما بمعنى لولا، فتكون تحضيضا- كما في هذه الآية- وقد تكون دالة على امتناع الشيء لوجود غيره، كما قال ابن مقبل: [البسيط]
لو ما الحياء ولو ما الدين عبتكما ... ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: «ما تنزل الملائكة» بفتح التاء والرفع وقرأ عاصم- في رواية أبي بكر- «ما تنزل» بضم التاء والرفع، وهي قراءة يحيى بن وثاب، وقرأ حمزة والكسائي وحفص «ما ننزل» بنون العظمة- «الملائكة» بالنصب، وهي قراءة طلحة بن مصرف.
وقوله: إِلَّا بِالْحَقِّ قال مجاهد: المعنى: بالرسالة والعذاب.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر أن معناه: كما يجب ويحق من الوحي والمنافع التي رآها الله لعباده، لا على اقتراح كافر، ولا باختيار معترض.
ثم ذكر عادة الله في الأمم من أنه لم يأتهم بآية اقتراح إلا ومعها العذاب في إثرها إن لم يؤمنوا. فكأن الكلام: ما تنزل الملائكة إلا بحق وواجب، لا باقتراحكم وأيضا فلو نزلت لم تنظروا بعد ذلك بالعذاب، أي تؤخروا، و «النظرة» : التأخير، المعنى: فهذا لا يكون، إذ كان في علم الله أن منهم من يؤمن أو يلد من يؤمن.
وقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ رد على المستخفين في قولهم: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ. وهذا كما يقول لك رجل على جهة الاستخفاف: يا عظيم القدر، فتقول له- على جهة الرد والنجه: نعم أنا عظيم القدر. ثم تأخذ في قولك- فتأمله.
وقوله: إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ قالت فرقة: الضمير في لَهُ عائد على محمد صلى الله عليه وسلم،