«حجر» بضم الحاء وسكون الجيم، وقرأ ابن عباس وأبيّ وابن مسعود وابن الزبير والأعمش وعكرمة وعمرو بن دينار «حرج» بكسر الحاء وتقديم الراء على الجيم وسكونها، فالأولى والثانية بمعنى التحجير وهو المنع والتحريم، والأخيرة من الحرج وهو التضييق والتحريم، وكانت هذه الأنعام على ما قال ابن زيد محللة للرجال محرمة على النساء، وقيل كانت وقفا لمطعم سدنة بيوت الأصنام وخدمتها، حكاه المهدوي، فذلك المراد بقوله مَنْ نَشاءُ وقوله بِزَعْمِهِمْ أي بتقولهم الذي هو أقرب إلى الباطل منه إلى الحق، و «زعمهم» هنا هو في قولهم «حجر» وتحريمهم بذلك ما لم يحرم الله تعالى، وقرأ ابن أبي عبلة «بزعمهم» بفتح الزاي والعين، وكذلك في الذي تقدم، وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها كانت للعرب سنن، إذا فعلت الناقة كذا من جودة النسل والمواصلة بين الإناث ونحوه حرم ظهورها فلم تركب وإذا فعل الفحل كذا وكذا حرم فعدد الله ذلك على جهة الرد عليهم إذ شرعوا ذلك برأيهم وكذبهم، وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا قيل كانت لهم سنة في أنعام ما أن لا يحج عليها فكانت تركب في كل وجه إلا في الحج، فذلك قوله وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا هذا قول جماعة من المفسرين.
ويروى ذلك عن أبي وائل، وقالت فرقة: بل ذلك في الذبائح يريد أنهم جعلوا لآلهتهم منها نصيبا لا يذكرون الله على ذبحها، وقوله افْتِراءً مصدر نصب على المفعول من أجله أو على إضمار فعل تقديره يفترون ذلك، وسَيَجْزِيهِمْ وعيد بمجازاة الآخرة، والضمير في عَلَيْهِ عائد على اسم الله، ويَفْتَرُونَ أي يكذبون ويختلفون.
هذه الآية تتضمن تعديد مذاهبهم الفاسدة، وكانت سنتهم في بعض الأنعام أن يحرموا ما ولدت على نسائهم ويخصصونه لذكورهم، والهاء في خالِصَةٌ قيل هي للمبالغة كما هي في رواية وغيرها، وهذا كما تقول فلان خالصتي وإن كان باب هاء المبالغة أن يلحق بناء مبالغة كعلامة ونسابة وبصيرة ونحوه، وقيل هي لتأنيث الأنعام إذ ما في بطونها أنعام أيضا، وقيل هي على تأنيث لفظ ما لأن ما واقعة في هذا الموضع موقع قولك جماعة وجملة، وقرأ جمهور القراء والناس «خالصة» بالرفع، وقرأ عبد الله بن مسعود وابن جبير وابن أبي عبلة والأعمش «خالص» دون هاء ورفع هاتين القراءتين على خبر الابتداء.
وقرأ ابن عباس بخلاف والأعرج وقتادة وسفيان بن حسين «خالصة» بالنصب، وقرأ سعيد بن جبير فيما ذكر أبو الفتح «خالصا» ، ونصب هاتين القراءتين على أن الحال من الضمير الذي في قوله فِي بُطُونِ، وذلك أن تقدير الكلام: وقالوا ما استقر هو في بطون هذه الأنعام فحذف الفعل وحمل المجرور الضمير، والحال من الضمير والعامل فيها معنى الاستقرار، قال أبو الفتح ويصح أن يكون حالا من ما على مذهب أبي الحسن في إجازته تقديم الحال على العامل فيها، وقرأ ابن عباس أيضا وأبو حيوة والزهري «خالصه»