وقوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية، هذه آية غض من اقتراحاتهم المتشططة التي لم يجر الله به عادة إلا للأمم التي حتم بعذابها واستئصالها، و «الآية» هنا يراد بها الأشياء التي سمتها قريش كالملك والكنز وغير ذلك، ثم أخبره الله تعالى بأنه مُنْذِرٌ وهذا الخبر قصد هو بلفظه، والناس أجمعون بمعناه.
واختلف المتأولون في قوله: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ فقال عكرمة وأبو الضحى: المراد بالهادي محمد عليه السلام، وهادٍ عطف على مُنْذِرٌ كأنه قال: إنما أنت مُنْذِرٌ وهادٍ لكل قوم. فيكون هذا المعنى يجري مع قوله عليه السلام: بعثت للأسود والأحمر. وهادٍ- على هذا- في هذه الآية بمعنى داع إلى طريق الهدى. وقال مجاهد وابن زيد: المعنى: إنما أنت «منذر» ولكل أمة سلفت «هاد» أي نبي يدعوهم.
قال القاضي أبو محمد: والمقصد: فليس أمرك يا محمد ببدع ولا منكر، وهذا يشبه غرض الآية.
وقالت فرقة: «الهادي» في هذه الآية الله عز وجل، وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وابن جبير، وهادٍ- على هذا- معناه مخترع للرشاد.
قال القاضي أبو محمد: والألفاظ تطلق بهذا المعنى، ويعرف أن الله تعالى هو الهادي من غير هذا الموضع.
وقالت فرقة «الهادي» : علي بن أبي طالب، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم- من طريق ابن عباس- أنه قرأ هذه الآية وعلي حاضر، فأومأ بيده إلى منكب علي وقال: أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي.
قال القاضي أبو محمد: والذي يشبهه- إن صح هذا- أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل عليا رضي الله عنه مثالا من علماء الأمة وهداتها إلى الدين، كأنه قال: أنت يا علي وصنفك، فيدخل في هذا أبو بكر وعمر وعثمان وسائر علماء الصحابة، ثم كذلك من كل عصر، فيكون المعنى- على هذا- إنما أنت يا محمد ولكل قوم في القديم والحديث رعاة وهداة إلى الخير.
قال القاضي أبو محمد: والقولان الأولان أرجح ما تأول في الآية.
قوله عز وجل:
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ٨ الى ١٠]
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠)
لما تقدم تعجب الكفار واستبعادهم البعث من القبور- قص في هذه الآيات المثل المنبهة على قدرة الله تعالى القاضية بتجويز البعث: