فمن ذلك هذه الواحدة من الخمس التي هي من مفاتيح الغيب، وهي أن الله تعالى انفرد بمعرفة ما تحمل به الإناث، من الأجنة من كل نوع من الحيوان وهذه البدأة تبين أنه لا تتعذر على القادر عليها الإعادة.
وما في قوله: ما تَحْمِلُ يصح أن تكون بمعنى الذي، مفعولة يَعْلَمُ ويصح أن تكون مصدرية، مفعولة أيضا ب يَعْلَمُ، ويصح أن تكون استفهاما في موضع رفع بالابتداء، والخبر:
تَحْمِلُ وفي هذا الوجه ضعف.
وفي مصحف أبي بن كعب: «ما تحمل كل أنثى وما تضع» .
وقوله: وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ معناه: ما تنقص، وذلك أنه من معنى قوله: وَغِيضَ الْماءُ [هود: ٤٤] وهو بمعنى النضوب فهي- هاهنا- بمعنى زوال شيء عن الرحم وذهابه، فلما قابله قوله: وَما تَزْدادُ فسر بمعنى النقصان: ثم اختلف المتأولون في صورة الزيادة والنقصان: فقال مجاهد «غيض الرحم» أن يهرق دما على الحمل، وإذا كان ذلك ضعف الولد في البطن وشحب، فإذا أكملت الحامل تسعة أشهر لم تضع وبقي الولد في بطنها زيادة من الزمن يكمل فيها من جسمه وصحته ما نقص بمهراقة الدم، فهذا هو معنى قوله: وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وجمهور المتأولين على أن غيض الرحم الدم على الحمل.
وذهب بعض الناس إلى أن غيضه هو نضوب الدم فيه وامتساكه بعد عادة إرساله بالحيض، فيكون قوله: وَما تَزْدادُ- بعد ذلك- جاريا مجرى تَغِيضُ على غير مقابلة، بل غيض الرحم هو بمعنى الزيادة فيه.
وقال الضحاك: غيض الرحم أن تسقط المرأة الولد، والزيادة أن تضعه لمدة كاملة تاما في خلقه.
وقال قتادة: الغيض: السقط، والزيادة: البقاء بعد تسعة أشهر.
وقوله: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ لفظ عام في كل ما يدخله التقدير، والْغَيْبِ: ما غاب عن الإدراكات، والشَّهادَةِ: ما شوهد من الأمور، ووضع المصادر موضع الأشياء التي كل واحد منها لا بد أن يتصف بإحدى الحالتين.
وقوله: الْكَبِيرُ صفة تعظيم على الإطلاق، و «المتعالي» من العلو.
واختلفت القراءة في الوقف على «المتعال» : فأثبت ابن كثير وأبو عمرو- في بعض ما روي عنه- الياء في الوصل والوقف، ولم يثبتها الباقون في وصل ولا وقف. وإثباتها هو الوجه والباب. واستسهل سيبويه حذفها في الفواصل- كهذه الآية- قياسا على القوافي في الشعر، ويقبح حذفها في غير فاصلة ولا شعر، ولكن وجهه أنه لما كان التنوين يعاقب الألف واللام أبدا، وكانت هذه الياء تحذف مع التنوين، حسن أن تحذف مع معاقبه.
قال القاضي أبو محمد: ويتصل بهذه الآية فقه يحسن ذكره: فمن ذلك اختلاف الفقهاء في الدم