للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الكلام التحضيض أو الدلالة على منع أمر لوجود غيره، فأما هذه فبعيدة عن هذه الآية لكنها من جملة التي هي للتحضيض بها، أن يكون المحضض يريد من المخاطب فعل ذلك الشيء الذي يخصه عليه، وقد تجيء «لولا» ، وليس من قصد المخاطب أن يحض المخاطب على فعل ذلك الشيء فتكون حينئذ لمعنى توبيخ كقول جرير: [الطويل] لولا الكمي المقنعا وذلك أنه لم يقصد حضهم على عقر الكمي، كقولك لرجل قد وقع في أمر صعب: لولا تحرزت، وهذه الآية من هذا القبيل.

قال القاضي أبو محمد: ومفهوم من معنى الآية نفي إيمان أهل القرى، ومعنى الآية فهلا آمن من أهل قرية وهم على مهل لم يلتبس العذاب بهم فيكون الإيمان نافعا في هذه الحالة، ثم استثنى قوم يونس، فهو بحسب اللفظ استثناء منقطع، وكذلك رسمه النحويون أجمع وهو بحسب المعنى متصل، لأن تقديره ما آمن من أهل قرية إلا قوم يونس والنصب في قوله إِلَّا قَوْمَ هو الوجه، ولذلك أدخله سيبويه في باب ما لا يكون فيه إلا النصب، وكذلك مع انقطاع الاستثناء ويشبه الآية قول النابغة:

إلا الأواري وذلك هو حكم لفظ الآية، وقالت فرقة: يجوز فيه الرفع وهذا اتصال الاستثناء، وقال المهدوي:

والرفع على البدل من قَرْيَةٌ، وروي في قصة قوم يونس: أن القوم لما كفروا أوحى الله إليه: أن أنذرهم بالعذاب لثلاثة، ففعل فقالوا: هو رجل لا يكذب فارقبوه، فإن قام بين أظهركم فلا عليكم، وإن ارتحل عنكم فهو نزول العذاب لا شك، فلما كان الليل تزود يونس وخرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا ودعوا الله وآمنوا ولبسوا المسوح وفرقوا بين الأمهات والأولاد من الناس والبهائم، والعذاب منهم فيما روي عن ابن عبّاس على ثلثي ميل، وروي عن علي ميل، وقال ابن جبير غشيهم العذاب كما يغشي الثوب القبر فرفع الله عنهم العذاب فلما مضت الثلاثة وعلم يونس أن العذاب لم ينزل قال كيف أنصرف وقد وجدوني في كذب فذهب مغاضبا كما ذكر الله في هذه الآية.

قال القاضي أبو محمد: وذهب الطبري إلى أن قوم يونس خصوا من بين الأمم بأن تيب عليهم من بعد معاينة العذاب ذكر ذلك عن جماعة من المفسرين وليس كذلك، والمعاينة التي لا تنفع التوبة معها هي تلبس العذب أو الموت بشخص الإنسان كقصة فرعون، وأما قوم يونس فلم يصلوا هذا الحد، وقرأ الحسن وطلحة بن مصرف وعيسى بن عمر وابن وثاب والأعمش «يونس» بكسر النون وفيه للعرب ثلاث لغات ضم النون وفتحها وكسرها وكذلك في «يوسف» ، وقوله: إِلى حِينٍ، يريد إلى آجالهم المفروضة في الأزل، وروي أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل ويقتضي ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال له إنه من أهل نينوى، من قرية الرجل الصالح يونس بن متى الحديث، الذي في السيرة لابن إسحاق.

قوله عز وجل:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٩ الى ١٠١]

وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠) قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١)

<<  <  ج: ص:  >  >>