المعنى في هذه الآية أن الكفار لما قالوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ [الفرقان: ٢١] ، أخبر الله تعالى أنهم يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ إنما هو يوم القيامة، وقد كان أول الآية يحتمل أن يريد يوم تفيض أرواحهم، لكن آخرها يقتضي أن الإشارة إلى يوم القيامة، وأمر العوامل في هذه الظروف بين إذا تأمل فاختصرناه لذلك، ومعنى هذه الآية أن هؤلاء الذين تمنّوا نزول الملائكة لا يعرفون ما قدر الله في ذلك فإنهم يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ هو شر لهم ولا بُشْرى لهم بل لهم الخسار ولقاء المكروه ويَوْمَئِذٍ، خبر لا بُشْرى لأن الظروف تكون إخبارا عن المصادر.
الضمير في قوله وَيَقُولُونَ، قال الحسن وقتادة والضحاك ومجاهد هو «للملائكة» ، المعنى وتقول الملائكة للمجرمين حِجْراً مَحْجُوراً عليكم البشرى، أي حراما محرما. والحجر الحرام ومنه قول المتلمس جرير بن عبد المسيح:[البسيط]
حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها ... حجر حرام الا تلك الدهاريس
وقال مجاهد أيضا وابن جريج إن الضمير في قوله وَيَقُولُونَ هو للكفار المجرمين قال ابن جريج كانت العرب إذا كرهوا شيئا قالوا حجرا، قال مجاهد حِجْراً عوذا، يستعيذون من الملائكة.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يكون المعنى ويقولون حرام محرم علينا العفو، وقد ذكر أبو عبيدة أن هاتين اللفظتين عوذة للعرب يقولها من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا المعنى هو مقصد بيت المتلمس الذي تقدّم، أي هذا الذي حننت إليه ممنوع. وقرأ الحسن وأبو رجاء «حجرا» بضم الحاء، والناس على كسرها، ثم أخبر تعالى عما يأتي عليه قضاؤه وفعله فقال حكاية عن يوم القيامة وَقَدِمْنا أي قصد حكمنا وإنفاذنا ونحو هذا من الألفاظ اللائقة، وقيل هو قدوم الملائكة أسنده إليه لأنه عن أمره، وحسنت لفظة قَدِمْنا لأن القادم على شيء مكروه لم يقدره ولا أمر به مغير له مذهب، وأما قول الراجز:
وقدم الخوارج الضلال ... إلى عباد ربنا فقالوا:
إن دماءكم لنا حلال فالقدوم فيه على بابه، ومعنى الآية وقصدنا إلى أعمالهم التي هي في الحقيقة لا تزن شيئا إذ لا نية