الخبر في قوله أَنْ أَوْحَيْنا والأول أصوب لأن الاسم معرفة والخبر نكرة وهذا القلب لا يصح ولا يجيء إلا شاذا ومنه قول حسان:[الوافر] يكون مزاجها عسل وماء ولفظة العجب هنا ليست بمعنى التعجب فقط بل معناه أوصل إنكارهم وتعجبهم إلى التكذيب؟
وقرأت فرقة «إلى رجل» بسكون الجيم، ثم فسر الوحي وقسمه على النذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين، و «القدم» هنا ما قدم، واختلف في المراد بها هاهنا فقال ابن عباس ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس وابن زيد: هي الأعمال الصالحة من العبادات، وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة: هي شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال زيد بن أسلم وغيره: هي المصيبة بمحمد صلى الله عليه وسلم في موته، وقال ابن عباس أيضا وغيره: هي السعادة السابقة لهم في اللوح المحفوظ، وهذا أليق الأقوال بالآية، ومن هذه اللفظة قول حسان:[الطويل]
لنا القدم العليا إليك وخلفنا ... لأوّلنا في طاعة الله تابع
وقول ذي الرمة:[الطويل]
لكم قدم لا ينكر الناس أنها ... مع الحسب العادي طمت على البحر
ومن هذه اللفظة قول النبي صلى الله عليه وسلم في صفة جهنم:«حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط» ، أي ما قدم لها من خلقه، هذا على أن الجبار اسم الله تعالى ومن جعله اسم جنس كأنه أراد الجبارين من بني آدم، ف «القدم» على هذا التأويل الجارحة والصدق في هذه الآية بمعنى الصلاح، كما تقول رجل صدق ورجل سوء، وقوله قالَ الْكافِرُونَ يحتمل أن يكون تفسيرا لقوله أكان وحينا إلى بشر عجبا قال الكافرون عنه كذا وكذا، وذهب الطبري إلى أن في الكلام حذفا يدل الظاهر عليه تقديره فلما أنذر وبشر قال الكافرون كذا وكذا، وقرأ جمهور الناس وهي قراءة نافع وأبي عمرو وابن عامر «إن هذا لسحر مبين» ، وقرأ مسروق بن الأجدع وابن جبير والباقون من السبعة وابن مسعود وأبو رزين ومجاهد وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى بن عمر بخلاف، وابن محيصن وابن كثير بخلاف عنه «إن هذا لساحر» ، والمعنى متقارب، وفي مصحف أبي «قال الكافرون ما هذا إلا سحر مبين» ، وقولهم في الإنذار والبشارة سحر إنما هو بسبب أنه فرق بذلك كلمتهم وحال بين القريب وقريبه فأشبه ذلك ما يفعله الساحر فظنوه من ذلك الباب.