للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: قالُوا: تَاللَّهِ الآية، روي: أن إخوة يوسف كانوا ردوا البضاعة الموجودة في الرحال وتحرجوا من أخذ الطعام بلا ثمن فلذلك قالوا: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أي لقد علمتم منا التحري وروي أنهم كانوا قد اشتهروا في مصر بصلاح وتعفف، وكانوا يجعلون الأكمة في أفواه إبلهم لئلا تنال زرع الناس، فلذلك قالوا: لقد علمتم ما جئنا لفساد وما نحن أهل سرقة.

والتاء في تَاللَّهِ بدل من واو- كما أبدلت في تراث وفي التورية وفي التخمة- ولا تدخل التاء في القسم إلا في المكتوبة من بين أسماء الله تعالى، لا في غير ذلك- لا تقول: تالرحمن ولا تالرحيم-.

وقوله تعالى: قالُوا: فَما جَزاؤُهُ الآية، قال فتيان يوسف: فما جزاء السارق إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ في قولكم: وَما كُنَّا سارِقِينَ؟ فقال إخوة يوسف: جزاء السارق والحكم الذي تتضمنه هذه الألفاظ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ ف جَزاؤُهُ الأول مبتدأ ومَنْ والجملة خبر قوله: جَزاؤُهُ الأول، والضمير في قالُوا جَزاؤُهُ للسارق. ويصح أن تكون مَنْ خبرا عائد على مَنْ ويكون قوله: فَهُوَ جَزاؤُهُ زياد بيان وتأكيد. وليس هذا الموضع- عندي- من مواضع إبراز الضمير على ما ذهب إليه بعض المفسرين، ويحتمل أن يكون التقدير: جزاؤه استرقاق من وجد في رحله، ثم يؤكد بقوله فَهُوَ جَزاؤُهُ وقولهم هذا قول من لم يسترب بنفسه، لأنهم التزموا إرغام من وجد في رحله، وهذا أكثر من موجب شرعهم إذ حق شرعهم أن لا يؤخذ إلا من صحت سرقته، وأمر بنيامين في السقاية كان محتملا. لكنهم التزموا أن من وجد في رحله فهو مأخوذ على أنه سارق. وقولهم كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ، أي هذه سنتنا وديننا في أهل السرقة: أن يتملك السارق كما تملك هو الشيء المسروق.

قال القاضي أبو محمد: وحكى بعض الناس: أن هذا الحكم كان في أول الإسلام ثم نسخ بالقطع، وهذا ضعيف، ما كان قط فيما علمت، وحكى الزهراوي عن السدي: أن حكمهم إنما كان أن يستخدم السارق على قدر سرقته وهذا يضعفه رجوع الصواع فكان ينبغي ألا يؤخذ بنيامين إذ لم يبق فيما يخدم.

قوله عز وجل:

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٧٦]]

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦)

بدؤه- أيضا- من أوعيتهم تمكين للحيلة وإبعاد لظهور أنها حيلة.

وقرأ جمهور الناس «وعاء» بكسر الواو، وقرأ الحسن «وعاء» بضمها، وقرأ ابن جبير «أعاء» بهمزة بدل الواو، وذلك شائع في الواو المكسورة، وهو أكثر في المضمومة، وقد جاء من المفتوحة: أحد في وحد.

وأضاف الله تعالى إلى ضميره لما أخرج القدر الذي أباح به ليوسف أخذ أخيه مخرج ما هو في اعتياد الناس كيد، وقال السدي والضحاك: كِدْنا معناه: صنعنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>