والجزية وما أحكمه الشرع لا محالة، وإن الأمور المحقرة كالجفاء في القول ونحو ذلك يحتمل أن يتقى محكمه، وأن يكون العفو عنها أقرب إلى التقوى. وقال ابن عباس لما نزلت: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة: ٢٤٥] قال فنحاص اليهودي. احتاج رب محمد، فأخذ عمر سيفه ومر ليقتله، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:«إن ربك يقول: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا» الآية، فهذا احتجاج بها مع قدم نزولها. وقد ذكر مكي وغيره أنها نزلت بمكة في عمر رضي الله عنه لما أراد أن يبطش بمشرك شتمه.
وأما الجزم في قوله: يَغْفِرُوا فهو جواب شرط مقدر تقديره: قل اغفروا فإن يجيبوا يغفروا. وأخصر عندي من هذا أن قُلْ هي بمثابة: أندب المؤمنين إلى الغفر.
وقوله: أَيَّامَ اللَّهِ قالت فرقة معناه: أيام إنعامه ونصره وتنعيمه في الجنة وغير ذلك، ف يَرْجُونَ على هذا هو من بابه. وقال مجاهد: أَيَّامَ اللَّهِ تعالى هي أيام نقمه وعذابه، ف يَرْجُونَ على هذا هي التي تتنزل منزلة يخافون، وإنما تنزلت منزلتها من حيث الرجاء والخوف متلازمان لا تجد أحدهما إلا والآخر معه مقترن، وقد تقدم شرح هذا غير مرة، وقرأ جمهور القراء «ليجزي» بالياء على معنى: ليجزي الله. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والأعمش وأبو عبد الرحمن وابن وثاب:«لنجزي» بالنون. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بخلاف عنه «ليجزى» على بناء الفعل للمفعول «قوما» ، وهذا على أن يكون التقدير:
لما تقرر في التي قبل هذه أن الله يجزي قوما بكسبهم ويعاقبهم بذنوبهم واجترامهم، أكد ذلك بقوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ.
وقوله: فَلِنَفْسِهِ هي لام الحظ، لأن الحظوظ والمحاب إنما يستعمل فيها اللام التي هي كلام الملك، تقول الأمور لزيد متأتية، وتستعمل في ضد ذلك على، فتقول: الأمور على فلان مستصعبة، وتقول: لزيد مال وعليه دين، وكذلك جاء العمل الصالح في هذه الآية باللام والإشارة ب «على» .
وقوله تعالى: ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ معناه إلى قضائه وحكمه، والْكِتابَ في قوله: آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ هو التوراة. وَالْحُكْمَ هو السنة والفقه، فيقال إنه لم يتسع فقه الأحكام على لسان نبي ما اتسع على لسان موسى عليه السلام: وَالنُّبُوَّةَ هي ما تكرر فيهم من الأنبياء.
وقوله تعالى: وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ يعني المستلذات الحلال، وبهذين تتم النعمة ويحسن