المستقبل واستنابه منابه لأن الجزاء هنا لا يكون إلا بفعل مستقبل لكن يستعمل الماضي بدل المستقبل في بعض المواضع توثيقا لوقوعه، وقوله تعالى: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى الآية استعارة للكفار وقد تقدم القول على مثل هذه الآية في سورة النمل، وكلهم قرأ «ولا تسمع» بتاء مضمومة ونصب «الصمّ» ، وقرأ ابن كثير وعباس عن أبي عمرو «يسمع» بياء مفتوحة الصمّ رفعا، وقرأ الجمهور «بهادي العمي» بالإضافة، وقرأ يحيى بن الحارث وأبو حيوة «بهاد» بالتنوين «العمي» نصبا، وقوله إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ معناه إن نسمع إسماعا ينفع ويجدي، وأما سماع الكفرة فغير مجد فاستويا، وقوله تعالى: عَنْ ضَلالَتِهِمْ لما كانت الهداية تتضمن الصرف عديت ب عَنْ كما تتعدى صرفت ومعنى الآية ليس في قدرتك يا محمد ولا عليك أن تهدي، وقرأ ابن أبي عبلة «من ضلالتهم» .
وهذه أيضا عبر بين فيها أن الأوثان لا مدخل لها فيها.
وقرأ جمهور القراء والناس بضم الضاد في «ضعف» ، وقرأ عاصم وحمزة بفتحها وهي قراءة ابن مسعود وأبي رجاء، والضم أصوب، وروي عن ابن عمر أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح فردها عليه بالضم، وقال كثير من اللغويين: ضم الضاد في البدن وفتحها في العقل، وروي عن أبي عبد الرحمن والجحدري والضحاك أنهم ضموا الضاد في الأول والثاني وفتحو «ضعفا» ، وقرأ عيسى بن عمر «من ضعف» بضمتين، وهذه الآية إنما يراد بها حال الإنسان، و «الضعف» الأول هو كون الإنسان من ماء مهين، و «القوة» بعد ذلك الشبيبة، وقوة الأسر، و «الضعف» الثاني الهرم والشيخ هذا قول قتادة وغيره، ثم أخبر تعالى عن يوم القيامة أن المجرمين يقسمون لجاجا منهم وتسورا على ما لا علم لهم به أنهم ما لبثوا تحت التراب غير ساعة وهذا إتباع لتحيلهم الفاسد ونظرهم في ذلك الوقت على نحو ما كانوا في الدنيا يتبعون ذلك، ويُؤْفَكُونَ عن الحق أي يصرفون وقيل المعنى ما لبثوا في الدنيا كأنهم استقلوها لما عاينوا من أمر الآخرة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يضعفه قوله تعالى: كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ إذ لو أراد تقليل الدنيا بالإضافة إلى الآخرة لكان منزعا سديدا وكان قولهم ساعَةٍ تجوزا في القدر والموازنة، ثم أخبر تعالى عن الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ أنهم يقفون في تلك الحال على حق ويعرفون أنه الوعد المتقرر في الدنيا، وقال بعض المفسرين: إنما أراد أوتوا الإيمان والعلم ففي الكلام تقديم وتأخير.