العباد، ومقدمة للخبر بكونه غنيا حميدا، ثم جاء بعد ذلك قوله وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا مقدمة للوعيد، فهذه وجوه تكرار هذا الخبر الواحد ثلاث مرات متقاربة. وقوله تعالى وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ لفظ عام لكل من أوتي كتابا، فإن وصية الله تعالى عباده بالتقوى لم تزل منذ أوجدهم، و «الوكيل» : القائم بالأمور المنفذ فيها ما رآه.
وقوله بِآخَرِينَ يريد من نوعكم، وروي عن أبي هريرة أنه لما نزلت هذه الآية ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على كتف سلمان الفارسي وقال: هم قوم هذا، وتحتمل ألفاظ الآية أن تكون وعيدا لجميع بني آدم، ويكون الآخرون من غير نوعهم، كما قد روي: أنه كان في الأرض ملائكة يعبدون الله قبل بني آدم، وقدرة الله تعالى على ما ذكر تقضي بها العقول ببدائها، وقال الطبري هذا الوعيد والتوبيخ هو للقوم الذين شفعوا في طعمة بن أبيرق وخاصموا عنه في أمر خيانته في الدرع والدقيق.
قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: وهذا تأويل بعيد واللفظ إنما يظهر حسن رصفه بعمومه وانسحابه على العالم جملة أو العالم الحاضر.
أي: من كان لا مراد له إلا في ثواب الدنيا ولا يعتقد أن ثم سواه، فليس هو كما ظن، بل عند الله تعالى ثواب الدارين، فمن قصد الآخرة أعطاه الله من ثواب الدنيا وأعطاه قصده، ومن قصد الدنيا فقط أعطاه من الدنيا ما قدر له وكان له في الآخرة العذاب، والله تعالى «سميع» للأقوال، «بصير» بالأعمال والنيات.
ثم خاطب تعالى المؤمنين بقوله كُونُوا قَوَّامِينَ الآية، وهذا بناء مبالغة، أي ليتكرر منكم القيام.
بِالْقِسْطِ وهو العدل، وقوله شُهَداءَ نصب على خبر بعد خبر، والحال فيه ضعيفة في المعنى، لأنها تخصيص القيام بالقسط إلى معنى الشهادة فقط، قوله لِلَّهِ المعنى لذات الله ولوجهه ولمرضاته، وقوله وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ متعلق ب شُهَداءَ، هذا هو الظاهر الذي فسر عليه الناس، وأن هذه الشهادة المذكورة هي في الحقوق، ويحتمل أن يكون قوله شُهَداءَ لِلَّهِ معناه بالوحدانية، ويتعلق قوله وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ب قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ، والتأويل الأول أبين، وشهادة المرء على نفسه إقراره بالحقائق وقوله الحق في كل أمر، وقيامه بالقسط عليها كذلك، ثم ذكر الْوالِدَيْنِ لوجوب برهما وعظم قدرهما، ثم ثنى