للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّالِمِينَ

في صيغة الاستعظام والاستقباح للظلم، والظلم وضع الشيء في غير موضعه.

قوله عز وجل:

[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٠٨ الى ١٠٩]

ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (١٠٨) يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩)

الإشارة ب ذلِكَ هي إلى جميع ما حد الله قبل من حبس الشاهدين من بعد الصلاة لليمين، ثم إن عثر على جورهما ردت اليمين وغرما. فذلك كله يقرب اعتدال هذا الصنف فيما عسى أن ينزل من النوازل، لأنهم يخافون التحليف المغلظ بعقب الصلاة ثم يخافون الفضيحة ورد اليمين، هذا قول ابن عباس رحمه الله، ويظهر من كلام السدي أن الإشارة ب ذلِكَ إنما هي إلى الحبس من بعد الصلاة فقط، ثم يجيء قوله تعالى: أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بإزاء فَإِنْ عُثِرَ [المائدة: ١٠٧] الآية، وجمع الضمير في يَأْتُوا ويَخافُوا إذ المراد صنف ونوع من الناس، وأَوْ في هذه الآية على تأويل السدي بمنزلة قولك تجيئني يا زيد أو تسخطني كأنك تريد وإلا أسخطتني فكذلك معنى الآية. ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها وإلا خافوا رد الأيمان. وأما على مذهب ابن عباس فالمعنى ذلك الحكم كله أقرب إلى أن يأتوا وأقرب إلى أن يخافوا، وقوله تعالى: عَلى وَجْهِها معناه على جهتها القويمة التي لم تبدل ولا حرفت، ثم أمر تعالى بالتقوى التي هي الاعتصام بالله وبالسمع لهذه الأمور المنجية، وأخبر أنه لا يهدي القوم الفاسقين، من حيث هم فاسقون، وإلا فهو تعالى يهديهم إذا تابوا، ويحتمل أن يكون لفظ الْفاسِقِينَ عاما والمراد الخصوص فيمن لا يتوب.

وقوله تعالى: ويَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ ذهب قوم من المفسرين إلى أن العامل في يَوْمَ ما تقدم من قوله لا يَهْدِي، وذلك ضعيف، ورصف الآية وبراعتها، إنما هو أن يكون هذا الكلام مستأنفا، والعامل مقدر إما اذكروا وإما تذكروا وإما احذروا ونحو هذا مما حسن اختصاره لعلم السامع، والإشارة بهذا اليوم إلى يوم القيامة، وخص الرسل بالذكر لأنهم قادة الخلق، وفي ضمن جمعهم جمع الخلائق وهم المكلمون أولا وماذا أُجِبْتُمْ معناه ماذا أجابت به الأمم من إيمان أو كفر وطاعة أو عصيان، وهذا السؤال للأنبياء الرسل إنما هو لتقوم الحجة على الأمم ويبتدأ حسابهم على الواضح المستبين لكل مفطور، واختلف الناس في معنى قولهم عليهم السلام لا عِلْمَ لَنا فقال الطبري ذهلوا عن الجواب لهول المطلع، وذكر عن الحسن أنه قال: لا علم لنا من هول ذلك اليوم. وعن السدي أنه قال: نزلوا منزلا ذهلت فيه العقول فقالوا لا علم لنا. ثم نزلوا منزلا آخر شهدوا على قومهم، وعن مجاهد أنه قال: يفزعون فيقولون لا علم لنا.

قال القاضي أبو محمد: وضعّف بعض الناس هذا المنزع بقوله تعالى: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ [الأنبياء: ١٠٣] والأنبياء في أشد أهوال يوم القيامة وحالة جواز الصراط يقولون سلم سلم وحالهم أعظم وفضل الله عليهم أكثر من أن تذهل عقولهم حتى يقولوا ما ليس بحق في نفسه، وقال ابن عباس رضي الله

<<  <  ج: ص:  >  >>