الكفار الذين فر أهل الكهف منهم لا يعرفون الله ولا علم لهم به، وإنما يعتقدون الألوهية في أصنامهم فقط، فهو استثناء منقطع ليس من الأول، وإن فرضناهم يعرفون الله ويعظمونه كما كانت تفعل العرب لكنهم يشركون أصنامهم معه في العبادة فالاستثناء متصل، لأن الاعتزال وقع في كل ما يعبد الكفار إلا في جهة الله تعالى، وفي مصحف ابن مسعود «وما يعبدون من دون الله» ، قال قتادة هذا تفسيرها، قال هارون وفي بعض مصاحفه «وما يعبدون من دوننا» ، فعلى ما قال قتادة تكون إِلَّا بمنزلة غير، وما من قوله وَما يَعْبُدُونَ في موضع نصب عطفا على الضمير في قوله اعْتَزَلْتُمُوهُمْ، ومضمن هذه الآية أن بعضهم قال لبعض إذ فارقنا الكفار وانفردنا بالله تعالى فلنجعل الكهف مأوى ونتكل على الله تعالى فإنه سيبسط لنا رحمته وينشرها علينا ويهيىء لنا من أمرنا مِرفَقاً، وهذا كله دعاء بحسب الدنيا، وعلى ثقة من الله كانوا في أمر آخرتهم، وقرأ نافع وابن عامر «مرفقا» بفتح الميم وكسر الفاء، وهو مصدر كالرفق فيما حكى أبو زيد، وهي قراءة أبي جعفر والأعرج وشيبة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي والحسن وطلحة والأعمش وابن أبي إسحاق «مرفقا» بكسر الميم وفتح الفاء، ويقالان جميعا في الأمر وفي الجارحة، حكاه الزجاج، وذكر مكي عن الفراء أنه قال: لا أعرف في الأمر وفي اليد وفي كل شيء إلا كسر الميم، وأنكر الكسائي أن يكون «المرفق» من الجارحة إلا بفتح الميم وكسر الفاء، وخالفه أبو حاتم، وقال «المرفق» بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما بعد لغتان.
بين هاتين الآيتين اقتضاب يبينه ما تقدم من الآيات، تقديره فآووا وضرب الله على آذانهم ومكثوا كذلك، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «تزّاور» بتشديد الزاي وإدغام التاء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «تزاور» بتخفيفها بتقدير تتزاور فحذفت إحدى التاءين، وقرأ ابن عامر وابن أبي إسحاق وقتادة «تزور» في وزن تحمر، وقرأ الجحدري وأبو رجاء «تزوار» بألف بعد الواو، ومعنى اللفظة على كل هذا التصريف تعدل وتروغ وتميل، وهذه عبارات المفسرين، أما أن الأخفش قال «تزور» معناه تنتقض والزور الميل، والأزور في العين المائل النظر إلى ناحية، ويستعمل في غير العين كقول ابن أبي ربيعة:
وجنبي خيفة القوم أزور ومن اللفظة قول عنترة:[الكامل] فازور من وقع القنا بلبانه ومنه قول بشر بن أبي حازم: [الوافر]