للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي آخر الرجز:

وقتلونا ركّعا وسجّدا وقرأ جمهور الناس «ويذهب غيظ قلوبهم» على إسناد الفعل إلى الله عز وجل، وقرأت فرقة «ويذهب غيظ قلوبهم» على إسناد الفعل إلى الغيظ، وقرأ جمهور الناس «يتوب» بالرفع على القطع مما قبله، والمعنى أن الآية استأنفت الخبر بأنه قد يتوب على بعض هؤلاء الكفرة الذين أمر بقتالهم، قال أبو الفتح:

وهذا أمر موجود سواء قوتلوا أو لم يقاتلوا، فلا وجه لإدخال التوبة في جواب الشرط الذي في قاتِلُوهُمْ على قراءة النصب، وإنما الوجه الرفع على الاستئناف والقطع، وقرأ الأعرج وابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي وعمرو بن عبيد وأبو عمرو فيما روي عنه «ويتوب» بالنصب على تقدير وأن يتوب، ويتوجه ذلك عندي إذا ذهبت إلى أن التوبة إنما يراد بها هنا أن قتل الكافرين والجهاد في سبيل الله هو توبة لكم أيها المؤمنون وكمال لإيمانكم، فتدخل التوبة على هذا في شرط القتال، وعَلِيمٌ حَكِيمٌ صفتان نسبتهما إلى الآية واضحة.

قوله عز وجل:

[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٦ الى ١٧]

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦) ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧)

أَمْ في هذه الآية ليست المعادلة، وإنما هي المتوسطة في الكلام، وهي عند سيبويه التي تتضمن إضرابا عن اللفظ لا عن معناه، واستفهاما فهي تسد مسد بل وألف الاستفهام، وهي التي في قولهم: «إنها لإبل أم شاء» التقدير بل أهي شاء، وقوله أَنْ تُتْرَكُوا يسد عند سيبويه مسد مفعولي «حسب» ، وقال المبرد: «أن» وما بعدها مفعول أول والثاني محذوف.

قال القاضي أبو محمد: كان تقديره مهملين أو سدى ونحو ذلك، وقوله وَلَمَّا هي دخلت على لم وفيها مبالغة، ومعنى الآية أظننتم أن تتركوا دون اختبار وامتحان؟ ف لَمَّا في هذه الآية بمنزلة قول الشاعر [الفرزدق] : [الطويل]

بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ... ولم تكثر القتلى بها حين سلّت

قال القاضي أبو محمد: والمراد بقوله وَلَمَّا يَعْلَمِ لما يعلم ذلك موجودا كما علمه أزلا بشرط الوجود ولما يظهر فعلكم واكتسابكم الذي يقع عليه الثواب والعقاب ففي العبارة تجوز وإلا فحتم أنه قد علم الله في الأزل الذين وصفهم بهذه الصفة مشروطا وجودهم، وليس يحدث له علم تبارك وتعالى عن ذلك، ووَلِيجَةً معناه بطانة ودخيلة، وقال عبادة بن صفوان الغنوي: [الطويل]

ولائجهم في كل مبدى ومحضر ... إلى كل من يرجى ومن يتخوف

<<  <  ج: ص:  >  >>