للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يريد ويَخْتارُ الله تعالى الأديان والشرائع وليس لهم الخيرة في أن يميلوا إلى الأصنام ونحوها في العبادة، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ، وذهب الطبري إلى أن ما في قوله تعالى ويَخْتارُ ما كانَ مفعولة ب يَخْتارُ قال:

والمعنى أن الكفار كانوا يختارون من أموالهم لأصنامهم أشياء فأخبر الله تعالى أن الاختيار إنما هو له وحده يخلق ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس لا كما يختارون هم ما ليس إليهم ويفعلون ما لم يؤمروا به.

قال القاضي أبو محمد: واعتذر الطبري عن الرفع الذي أجمع القراء عليه في قوله تعالى: ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ بأقوال لا تتحصل وقد رد الناس عليه في ذلك، وذكر عن الفراء أن القاسم بن معن أنشده بيت عنترة: [البسيط]

أمن سمية دمع العين تذريف ... لو كان ذا منك قبل اليوم معروف

وقرن الآية بهذا البيت والرواية في البيت لو أن ذا ولكن على ما رواه القاسم يتجه في بيت عنترة أن يكون الأمر والشأن مضمرا في كان وذلك في الآية ضعيف، لأن تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها مجرور وفي هذا كله نظر، والوقف على ما ذهب إليه جمهور الناس في قوله وَيَخْتارُ وعلى ما ذهب إليه الطبري لا يوقف على ذلك ويتجه عندي أن يكون ما مفعولة إذا قدرنا كانَ تامة أي أن الله تعالى يختار كل كائن ولا يكون شيء إلا بإذنه، وقوله تعالى: لَهُمُ الْخِيَرَةُ جملة مستأنفة معناها تعديد النعمة عليهم في اختيار الله تعالى لهم لو قبلوا وفهموا.

قوله عز وجل:

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٦٩ الى ٧٣]

وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣)

ذكر تعالى في هذه الآيات أمورا يشهد عقل كل مفطور بأن الأصنام لا شركة لها فيها، فمنها علم ما في النفوس وما يجيش بالخواطر، وتُكِنُّ معناه تستر، وقرأ ابن محيص «تكن» بفتح التاء وضم الكاف، وعبر عن القلب ب «الصدر» من حيث كان محتويا عليه، ومعنى الآية أن الله تعالى يعلم السر والإعلان، ثم أفرد نفسه بالألوهية ونفاها عن سواه، وأخبر أن الحمد له في الدنيا والآخرة إذ له الصفات التي تقتضي ذلك، والْحُكْمُ في هذا الموضع القضاء والفصل في الأمور، ثم أخبر بالرجعة إليه والحشر، ثم أمر تعالى نبيه أن يوقفهم على أمر الليل والنهار وما منح الله فيهما من المصالح والمرافق وأن يوقفهم على

<<  <  ج: ص:  >  >>