قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن تكون مخاطبة لجميع الناس، لأن الله تعالى غني عن جميع الناس وهم فقراء إليه، وبين بعد البشر عن رضى الله إن كفروا بقوله: إِنْ تَكْفُرُوا.
واختلف المتأولون من أهل السنة في تأويل قوله: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ فقالت فرقة: الرضى بمعنى الإرادة والكلام ظاهره العموم ومعناه الخصوص فيمن قضى الله له بالإيمان وحتمه له، و «عباده» على هذا ملائكته ومؤمنو البشر والجن، وهذا يتركب على قول ابن عباس. وقالت فرقة: الكلام عموم صحيح، والكفر يقع ممن يقع بإرادة الله، إلا أنه بعد وقوعه لا يرضاه دينا لهم، فهذا يتركب على الاحتمال الذي تقدمك آنفا. ومعنى: لا يرضاه لا يشكره لهم ولا يثيبهم به خيرا، فالرضى على هذا هو صفة فعل لمعنى القبول ونحوه. وتأمل الإرادة فإنها حقيقة، إنما هي فيما لم يقع بعد، والرضى، فإنما حقيقة فيما قد وقع، واعتبر هذا في آيات القرآن تجده، وإن كانت العرب قد تستعمل في أشعارها على جهة التجوز هذا بدل هذا.
وقوله تعالى: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ عموم، والشكر الحقيقي في ضمنه الإيمان.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: «يرضه» بضمة على الهاء مشبعة. وقرأ ابن عامر وعاصم «يرضه» بضمة على الهاء غير مشبعة، واختلف عن نافع وأبي عمرو. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر:
«يرضه» بسكون الهاء، قال أبو حاتم: وهو غلط لا يجوز، قال تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي لا يحمل أحد ذنب أحد، وأنث «الوازرة» و «الأخرى» لأنه أراد الأنفس. والوزر الثقل، وهذا خبر مضمنه الحض على أن ينظر كل أحد في خاصة أمره وما ينوبه في ذاته.
ثم أخبرهم تعالى بأن مرجعهم في الآخرة إلى ربهم، أي إلى ثوابه أو عقابه، فيوقف كل أحد على أعماله، لأنه المطلع على نيات الصدور وسائر الأفئدة. و «ذات الصدور» : ما فيه من خبيئة، ومنه قولهم:
الذيب مغبوط بذي بطنه.
قوله عز وجل:
[[سورة الزمر (٣٩) : آية ٨]]
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨)
الْإِنْسانَ في هذه الآية يراد به الكافر بدلالة ما وصفه به آخرا من اتخاذ الأنداد لله تعالى، وقوله:
تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا وهذه آية بين تعالى بها على الكفار أنهم على كل حال يلجؤون في حال الضرورات إليه وإن كان ذلك عن غير يقين منهم ولا إيمان فلذلك ليس بمعتد به. ومُنِيباً معناه مقاربا مراجعا بصيرته.
وقوله تعالى: ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً يحتمل أن يريد النعمة في كشف الضر المذكور، ويحتمل أن يريد نعمة أي نعمة كانت، واللفظ يعم الوجهين. وخَوَّلَهُ معناه ملكه وحكمه فيها ابتداء لا مجازاة، ولا يقال في الجزاء خول، ومنه الخول، ومنه قول زهير: