للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعناه الخصوص فيمن آمن من هؤلاء القادمين من أرض الحبشة، إذ هم عرفوا الحق وقالوا آمنا، وليس كل النصارى يفعل ذلك، وصدر الآية في قرب المودة عام فيها ولا يتوجه أن يكون صدر الآية خاصا فيمن آمن لأن من آمن فهو من الذين آمنوا وليس يقال فيه قالوا إنا نصارى ولا يقال في مؤمنين: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ ولا يقال إنهم أقرب مودة، بل من آمن فهو أهل مودة محضة، فإنما وقع التخصيص من قوله تعالى: وَإِذا سَمِعُوا وجاء الضمير عاما إذ قد تحمد الجماعة بفعل واحد منها، وفي هذا استدعاء للنصارى ولطف من الله تعالى بهم، ولقد يوجد فيض الدموع غالبا فيهم وإن لم يؤمنوا، وروي أن وفدا من نجران قدم على أبي بكر الصديق في شيء من أمورهم فأمر من يقرأ القرآن بحضرتهم فبكوا بكاء شديدا فقال أبو بكر: هكذا كنا ولكن قست القلوب، وروي أن راهبا من رهبان ديارات الشام نظر إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورأى عبادتهم وجدهم في قتال عدوهم فعجب من حالهم، وبكى، وقال: ما كان الذين نشروا بالمناشير على دين عيسى بأصبر من هؤلاء ولا أجدّ في دينهم.

قال القاضي أبو محمد: فالقوم الذين وصفوا بأنهم عرفوا الحق هم الذين بعثهم النجاشي ليروا النبي صلى الله عليه وسلم ويسمعوا ما عنده، فلما رأوه قرأ عليهم القرآن وهو المراد بقوله تعالى: ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ فاضت أعينهم بالدمع من خشية الله ورقت القلوب. والرؤية رؤية العين، وتَفِيضُ حال من الأعين، ويَقُولُونَ حال أيضا وآمَنَّا معناه صدقنا أن هذا رسولك والمسموع كتابك والشاهدون محمد وأمته، قاله ابن عباس وابن جريج وغيرهما، وقال الطبري: لو قال قائل معنى ذلك مع الشاهدين بتوحيدك من جميع العالم من تقدم ومن تأخر لكان ذلك صوابا.

قال القاضي أبو محمد: هذا معنى قول الطبري وهو كلام صحيح، وكان ابن عباس رضي الله عنه خصص أمة محمد عليه السلام لقول الله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: ١٤٣] .

قوله عز وجل:

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٨٤ الى ٨٧]

وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)

قولهم وَما لَنا توقيف لأنفسهم أو محاجة لمن عارضهم من الكفار بأن قال لهم آمنتم وعجلتم.

فقالوا وأي شيء يصدنا عن الإيمان وقد لاح الصواب وجاء الحق المنير وَما لَنا ابتداء وخبر، ولا نُؤْمِنُ في موضع الحال، ولكنها حال هي المقصد وفيها الفائدة: كما تقول جاء زيد راكبا وأنت قد سئلت هل جاء ماشيا أو راكبا. وفي مصحف ابن مسعود «وما لنا لا نؤمن بالله وما أنزل إلينا ربنا» . وَنَطْمَعُ تقديره ونحن نطمع. فالواو عاطفة جملة على الجملة لا عاطفة فعل على فعل و «القوم الصالحون» محمد وأصحابه، قاله ابن زيد وغيره من المفسرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>