للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغوائل إلا الشاذ القليل منهم ممن عسى أن تخصص بأدب وأمور غير ما علم أولا. ولم يصف الله تعالى النصارى بأنهم أهل ود وإنما وصفهم بأنهم أقرب من اليهود والمشركين، فهو قرب مودة بالنسبة إلى متباعدين، وفي قوله تعالى: الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى إشارة إلى أن المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم من النصارى ليسوا على حقيقة النصرانية بل كونهم نصارى قول منهم وزعم، وقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً معناه ذلك بأن منهم أهل خشية وانقطاع إلى الله وعبادة وإن لم يكونوا على هذي، فهم يميلون إلى أهل العبادة والخشية وليس عند اليهود ولا كان قط أهل ديارات وصوامع وانقطاع عن الدنيا، بل هم معظمون لها متطاولون في البنيان وأمور الدنيا حتى كأنهم لا يؤمنون بالآخرة، فلذلك لا يرى فيهم زاهد، ويقال «قس» بفتح القاف وبكسرها وقسيس وهو اسم أعجمي عرّب، والقس في كلام العرب النميمة وليس من هذا، وأما الرهبان فجمع راهب. وهذه تسمية عربية والرهب الخوف، ومن الشواهد على أن الرهبان جمع قول الشاعر جرير:

رهبان مدين لو رأوك تنزلوا ... والعصم من شغف العقول الفادر

وقد قيل الرهبان اسم مفرد والدليل عليه قول الشاعر:

لو عاينت رهبان دير في القلل ... تحدّر الرهبان يمشي ونزل

قال القاضي أبو محمد: ويروى و «يزل» بالياء من الزلل، وهذا الرواية أبلغ في معنى غلبة هذه المرأة على ذهن هذا الراهب، ووصف الله تعالى النصارى بأنهم لا يستكبرون وهذا بين موجود فيهم حتى الآن، واليهودي متى وجد غرورا طغى وتكبر وإنما أذلهم الله وأضرعتهم الحمى وداسهم كلكل الشريعة ودين الإسلام أعلاه الله، وذكر سعيد بن جبير ومجاهد وابن عباس أن هذه الآية نزلت بسبب وفد بعثهم النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليروه ويعرفوا حاله، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم عليهم القرآن وآمنوا ورجعوا إلى النجاشي فآمن، ولم يزل مؤمنا حتى مات فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

قال القاضي أبو محمد: وروي أن نعش النجاشي كشف للنبي صلى الله عليه وسلم فكان يراه من موضعه بالمدينة وجاء الخبر بعد مدة أن النجاشي دفن في اليوم الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم عليه، وذكر السدي: أنهم كانوا اثني عشر سبعة قسيسين وخمسة رهبان. وقال أبو صالح: كانوا سبعة وستين رجلا، وقال سعيد بن جبير: كانوا سبعين عليهم ثياب الصوف وكلهم صاحب صومعة اختارهم النجاشي الخير بالخير، وذكر السدي: أن النجاشي خرج مهاجرا فمات في الطريق.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف لم يذكره أحد من العلماء بالسيرة، وقال قتادة: نزلت هذه الآيات في قوم كانوا مؤمنين ثم آمنوا بمحمد عليه السلام.

قال القاضي أبو محمد: وفرق الطبري بين هذين القولين وهما واحد، وروى سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا.

وقوله تعالى: وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ الآية الضمير في سَمِعُوا ظاهره العموم

<<  <  ج: ص:  >  >>