للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل:

[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١٤ الى ١١٦]

وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤) وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦)

المعنى لا حجة أيها المؤمنون في استغفار إبراهيم الخليل لأبيه فإن ذلك لم يكن إلا عن موعدة، واختلف في ذلك فقيل عن موعدة من إبراهيم في أن يستغفر لأبيه وذلك قوله سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا [مريم: ٤٧] ، وقيل عن موعدة من أبيه له في أنه سيؤمن فكان إبراهيم قد قوي طمعه في إيمانه فحمله على الاستغفار له حتى نهي عنه، وقرأ طلحة: «وما يستغفر إبراهيم» وروي عنه «وما استغفر إبراهيم» ، ومَوْعِدَةٍ مفعلة من الوعد، وأما تبينه أنه عدو لله قيل ذلك بموت آزر على الكفر، وقيل ذلك بأنه نهي عنه وهو حي.

وقال سعيد بن جبير: ذلك كله يوم القيامة وذلك أن في الحديث أن إبراهيم يلقاه فيعرفه ويتذكر قوله:

سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي [مريم: ٤٧] فيقول له الزم حقوي فلن أدعك اليوم لشيء، فيلزمه حتى يأتي الصراط فيلتفت إليه فإذا هو قد مسخ ضبعانا أمذر فيتبرأ منه حينئذ.

قال القاضي أبو محمد: وربط أمر الاستغفار بالآخرة ضعيف، وقوله إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ثناء من الله تعالى على إبراهيم، و «الأواه» قال ابن مسعود هو الدعّاء، وقيل هو الداعي بتضرع، وقيل هو الموقن قاله ابن عباس، وقيل هو الرحيم قاله ابن مسعود أيضا، وقيل هو المؤمن التواب، وقيل هو المسبح وقيل هو الكثير الذكر لله عز وجل، وقيل هو التلّاء للقرآن، وقيل هو الذي يقول من خوفه لله عز وجل أبدا أوه ويكثر ذلك.

وروي أن أبا ذر سمع رجلا يكثر ذلك في طوافه فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:

«دعه فإنه أواه» .

والتأوه التفجع الذي يكثر حتى ينطق الإنسان معه، ب «أوه» ، ويقال أوه فمن الأول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال في بيع أو شراء أنكره عليه: أوه، ذلك الربا بعينه ومن الثاني قول الشاعر:

[الطويل]

فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض بيننا وسماء

ومن هذا المعنى قول المثقب العبدي: [الوافر]

إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوّه آهة الرجل الحزين

<<  <  ج: ص:  >  >>