يسأل الأمم أجمع عما بلغ إليهم عنه وعن جميع أعمالهم ويسأل النبيين عما بلغوا.
قال القاضي أبو محمد: وقد نفي السؤال في آيات وذلك هو سؤال الاستفهام الحقيقي وقد أثبت في آيات كهذه الآية وهذا هو سؤال التقرير، فإن الله قد أحاط علما بكل ذلك قبل السؤال فأما الأنبياء والمؤمنون فيعقبهم جوابهم رحمة وكرامة، وأما الكفار ومن نفذ عليه الوعيد من العصاة فيعقبهم جوابهم عذابا وتوبيخا، فمن أنكر منهم قص عليه بعلم، وقرأ ابن مسعود وابن عباس «فلنسألن الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا ولنسألن المرسلين» .
وقوله تعالى: فَلَنَقُصَّنَّ أي فلنسردن عليهم أعمالهم قصة قصة، بِعِلْمٍ أي بحقيقة ويقين، قال ابن عباس: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون.
قال القاضي أبو محمد: يشبه أن يكون الكلام هنا استعارة إذ كل شيء فيه مقيد، وَما كُنَّا غائِبِينَ أي ما كنا من لا يعلم جميع تصرفاتهم كالغائب عن الشيء الذي لا يعرف له حالا.
الْوَزْنُ مصدر وزن يزن، ورفعه بالابتداء والْحَقُّ خبره، ويَوْمَئِذٍ ظرف منتصب ب الْوَزْنُ ويصح أن يكون يَوْمَئِذٍ خبر الابتداء، والْحَقُّ نعت ل الْوَزْنُ والتقدير الوزن الحق ثابت أو ظاهر يومئذ، ويَوْمَئِذٍ إشارة إلى يوم القيامة والفصل بين الخلائق، واختلف الناس في معنى الوزن والموازين فقالت فرقة: إن الله عز وجل أراد أن يعلم عباده أن الحساب والنظر يوم القيامة هو في غاية التحرير ونهاية العدل فمثل لهم في ذلك بالوزن والميزان إذ لا يعرف البشر أمرا أكثر تحريرا منه، فاستعير للعدل وتحرير النظر لفظة الوزن والميزان كما استعار ذلك أبو طالب في قوله:
بميزان قسط لا يخس شعيرة ... له حاكم من نفسه غير عائل
قال القاضي أبو محمد: وهذا القول أصح من الأول من جهات، أولها أن ظواهر كتاب الله عز وجل تقتضيه وحديث الرسول عليه السلام ينطق به، من ذلك: قوله لبعض الصحابة وقد قال له يا رسول الله أين أجدك في القيامة؟ فقال «اطلبني عند الحوض فإن لم تجدني فعند الميزان» ، ولو لم يكن الميزان مرئيا محسوسا لما أحاله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطلب عنده، وجهة أخرى أن النظر في الميزان والوزن والثقل والخفة المقترنات بالحساب لا يفسد شيء منه ولا تختل صحته، وإذا كان الأمر كذلك فلم نخرج من حقيقة اللفظ إلى مجازه دون علة؟ وجهة ثالثة وهي أن القول في الميزان هو من عقائد الشرع الذي لم يعرف إلا سمعا، وإن فتحنا فيه باب المجاز غمرتنا أقوال الملحدة والزنادقة في أن الميزان والصراط والجنة والنار والحشر ونحو ذلك إنما هي ألفاظ يراد بها غير الظاهر.