للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول بعض المفسرين، وإنما يفهم قدر معناها من قرائن الكلام الذي تجيء العبارة فيه، و «نفس» في هذه الآية: اسم الجنس، و «الإذن» التمكين من الشيء مع العلم بالشيء المأذون فيه، فإن انضاف إلى ذلك قول فهو الأمر، وقوله: كِتاباً نصب على التمييز ومُؤَجَّلًا صفة. وهذه الآية ردّ على المعتزلة في قولهم بالأجلين، وأما الانفصال عن تعلقهم بقوله تعالى: وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [نوح: ٤] ونحو هذا من الآيات، فسيجيء في مواضعه إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: نُؤْتِهِ مِنْها مشروط بالمشيئة، أي نؤت من شئنا منها ما قدر له، بيّن ذلك قوله تعالى:

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء: ١٨] ، وقرينة الكلام تقتضي أنه لا يؤتى شيئا من الآخرة لأن من كانت نيته من عمله مقصورة على طلب الدنيا، فلا نصيب له في الآخرة، والأعمال بالنيات، وقرينة الكلام في قوله: وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها لا تمنع أن يؤتى نصيبا من الدنيا، وقرأ جمهور الناس «نؤته ونؤته وسنجزي» . كلها بنون العظمة، وقرأ الأعمش بالياء في الثلاثة، وذلك على حذف الفاعل لدلالة الكلام عليه، قال ابن فورك: في قول الله تعالى: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ إشارة إلى أنه ينعمهم بنعيم الدنيا لا أنهم يقصرون على الآخرة.

قوله تعالى:

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٤٦]]

وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦)

ثم ضرب تعالى المثل للمؤمنين بمن سلف من صالحي الأمم الذين لم يثنهم عن دينهم قتل الكفار لأنبيائهم فقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ الآية، وفي كَأَيِّنْ أربع لغات: «كأين» على وزن كعين بفتح العين، و «كأين» ، على وزن كاعن و «كأين» على وزن كعين بسكون العين وكان على وزن كعن بكسر العين، وأكثر ما استعملت العرب في أشعارها التي على وزن كاعن، فمن ذلك قول الشاعر: [الطويل]

وكائن رددنا عنكم من مدجّج ... يجيء أمام القوم يردي مقنّعا

وقال جرير: [الطويل]

وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لو أصبت هو المصابا

وقال آخر: [زهير] : [الطويل] :

وكائن ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التّكلّم

وقد جاء في اللغة التي ذكرتها أولا قول الشاعر: [الوافر]

كأيّن في المعاشر من أناس ... أخوهم فوقهم وهم كرام

<<  <  ج: ص:  >  >>