على الحكاية عن الغائب والظَّنَّ: ميل النفس إلى أحد معتقدين متخالفين دون أن يكون ميلها بحجة ولا برهان وهوى الأنفس: هو إرادتها الملذة لها وإنما تجد هوى النفس أبدا فيترك الأفضل، لأنها مجبولة بطبعها على حب الملذ، وإنما يردعها ويسوقها إلى حسن العاقبة العقل والشرع.
وقوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى اعتراض بين الكلام فيه توبيخ لهم، لأن سرد القول إنما هو يتبعون ولا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ، أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى، وقف على جهة التوبيخ والإنكار لحالهم ورأيهم، ثم اعترض بعد قوله: وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى جملة في موضع الحال، والهدى المشار إليه، محمد وشرعه.
وقرأ ابن مسعود وابن عباس:«ولقد جاءكم من ربكم» بالكاف فيهما، وقال الضحاك إنهما قرآ «ولقد جاءك من ربك» .
و «الإنسان» في قوله: أَمْ لِلْإِنْسانِ، اسم الجنس، كأنه يقول ليست الأشياء بالتمني والشهوات، إنما الأمر كله لله والأعمال جارية على قانون أمره ونهيه فليس لكم، أيها الكفرة مرادكم في قولكم هذه آلهتنا وهي تنفعنا وتقربنا زلفى ونحو هذا. وقال ابن زيد والطبري:«الإنسان» هنا: محمد، بمعنى أنه لم ينل كرامتنا بتأميل، بل بفضل الله أو بمعنى بل إنه تمنى كرامتنا فنالها، إذ الكل لله يهب ما شاء، وهذا لا تقتضيه الآيات، وإن كان اللفظ يعمه. و: الْآخِرَةُ وَالْأُولى الداران، أي له كل أمرهما ملكا ومقدورا وتحت سلطانه.
وقوله تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ الآية، رد على قريش في قولهم: الأوثان شفعاؤنا، كأنه يقول: هذه حال الملائكة الكرام، فكيف بأوثانكم، وكَمْ للتكثير وهي في موضع رفع بالابتداء والخبر: لا تُغْنِي والغناء جلب النفع ودفع الضر بحسب الأمر الذي يكون فيه الغناء وجمع الضمير في شَفاعَتُهُمْ على معنى: كَمْ ومعنى الآية: أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ في أن يشفع لشخص ما ويرضى عنه كما أذن في قوله:
الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ هم كفار العرب، وقوله: لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ معناه: ليصفون الملائكة بأوصاف الأنوثة وأخبر تعالى عنهم أنهم لا علم لهم بذلك، وإنما هي ظنون منهم لا حجة لهم عليها وقرأ ابن مسعود:«من علم إلا اتباع الظن» .