الرشد عام في هدايته إلى رفض الأصنام وفي هدايته في أمر الكوكب والشمس والقمر وغير ذلك من النبوءة فما دونها، وقال بعضهم معناه وفق للخير صغيرا وهذا كله متقارب، ومِنْ قَبْلُ معناه من قبل موسى وهارون، فبهذه الإضافة هو قبل كما هي نسبة نوح منه، قوله وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ مدح ل إِبْراهِيمَ أي بأنه يستحق ما أهل له وهذا نحو قوله تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الأنعام: ١٢٤] والعامل في إِذْ قوله آتَيْنا والتَّماثِيلُ الأصنام لأنها كانت على صورة الإنسان من خشب، و «العكوف» الملازمة للشيء وقوله فَطَرَهُنَّ عبارة عنها كأنها تعقل وهذه من حيث لها طاعة وانقياد وقد وصفت من مواضع بما يوصف به من يعقل، وقوله تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ الآية، روي أنه حضرهم عيد لهم فعزم قوم منهم على إبراهيم في حضوره طمعا منهم أن يستحسن شيئا من أخبارهم فمشى معهم فلما كان في الطريق أثنى عزمه على التخلف عنهم فقعد وقال لهم إني سقيم فمر به جمهورهم ثم قال في خلوة من نفسه وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ وسمعه قوم من ضعفتهم ممن كان يسير في آخر الناس، وقوله بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ معناه إلى عيدهم ثم انصرف إبراهيم عليه السلام إلى بيت أصنامهم فدخله ومعه قدوم فوجد الأصنام وقفت أكبرها أول ثم الذي يليه فالذي يليه وقد جعلوا أطعمتهم في ذلك اليوم بين يدي الأصنام تبركا لينصرفوا من ذلك العيد إلى أكله، فجعل عليه السلام يقطعها بذلك القدوم حتى أفسد أشكالها كلها حاشى الكبير فإنه تركه بحاله وعلق القدوم من يده وخرج عنها، وجُذاذاً معناه قطعا صغارا، والجذ القطع. وقرأ الجمهور «جذاذا» بضم الجيم، وقرأ الكسائي وحده بكسرها، وقرأ ابن عباس وأبو نهيك وأبو السمال بفتحها وهي لغات والمعنى واحد، وقوله فَجَعَلَهُمْ ونحوه معاملة للأصنام بحال من يعقل من حيث كانت تعبد وتنزل منزلة من يعقل، والضمير في إِلَيْهِ أظهر ما فيه أنه عائد على «إبراهيم» أي فعل هذا كله توخيا منه أن يعقب ذلك منهم رجعة إليه وإلى شرعه ويحتمل أن يعود الضمير على الكبير المتروك ولكن يضعف ذلك دخول الترجي في الكلام.
المعنى فانصرفوا من عيدهم فرأوا ما حدث بآلهتهم فأكبروا ذلك وحينئذ قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا على جهة البحث والإنكار، وقالُوا الثانية الضمير فيها للقوم الضعفة الذي سمعوا إبراهيم حين قال وَتَاللَّهِ