تغاديه وتراوحه، وقيل بل كان يتغذى من اليقطينة، ويجد منها ألوان الطعام، وأنواع شهواته واختلف الناس في «اليقطينة» فقالت فرقة هي شجرة لا نعرفها سماها الله باليقطينة وهي لفظة مأخوذة من قطن إذا أقام بالمكان، وقال سعيد بن جبير وابن عباس والحسن ومقاتل اليقطين كل ما لا يقوم على ساق من عود كالبقول والقرع والحنظل، والبطيخ ونحوه مما يموت من عامه، وروي نحوه عن مجاهد، وقال ابن عباس وأبو هريرة وعمرو بن ميمون «اليقطين» القرع خاصة.
قال القاضي أبو محمد: وعلى هذين القولين فإما أن يكون قوله شَجَرَةً تجوزا وإما أن يكون أنبتها عليه ذات ساق خرقا للعادة، لأن الشجرة في كلام العرب إنما يقال لما كان على ساق من عود، وحكى بعض الناس أنها كانت قرعة وهي تجمع خصالا برد الظل والملمس وعظم الورق وأن الذباب لا يقربها، وحكى النقاش أن ماء ورق القرعة إذا رش بمكان لم يقربه ذباب، ومشهور اللغة أن «اليقطين» القرع وقد قال أمية بن أبي الصلت في قصة يونس: [الطويل]
فأنبت يقطينا عليه برحمة ... من الله لولا الله ألفي ضاحيا
فنبت يونس عليه السلام وصح وحسن جسمه لأن ورق القرع أنفع شيء لمن تسلخ جلده كيونس صلى الله عليه وسلم، وروي أنه كان يوما نائما فأيبس الله تلك اليقطينة، وقيل بعث عليها الأرضة فقطعت عروقها فانتبه يونس لحر الشمس فعز عليه شأنها وجزع له، فأوحى الله تعالى إليه: يا يونس أجزعت ليبس اليقطينة ولم تجزع لإهلاك مائة ألف أو يزيدون تابوا فتيب عليهم.
قال الجمهور إن هذه الرسالة إِلى مِائَةِ أَلْفٍ في رسالته الأولى التي أبق بعدها، ذكرها الله في آخر القصص تنبيها على رسالته، ويدل على ذلك قوله فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ، وتمتيع تلك الأمة هو الذي أغضب يونس حتى أبق، وقال قتادة وابن عباس أيضا هذه الرسالة أخرى بعد أن نبذ بالعراء وهي إلى أهل نينوى من ناحية الموصل، وقرأ جعفر بن محمد، «ويزيدون» بالواو، وقرأ الجمهور «أو يزيدون» ، فقال ابن عباس «أو» بمعنى «بل» ، وكانوا مائة ألف وثلاثين ألفا، وقال أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم «كانوا مائة وعشرين ألفا» ، وقال ابن جبير: كانوا مائة وسبعين ألفا، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «إلى مائة ألف بل يزيدون» ، وقالت فرقة أَوْ هنا بمعنى الواو، وقالت فرقة هي للإبهام على المخاطب، كما تقول ما عليك أنت أنا أعطي فلانا دينارا أو ألف دينار، ونحو هذا قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ