يريد النبوءة وما انضاف إليها من سائر النعم. وقوله: آلِ يَعْقُوبَ يريد في هذا الموضع الأولاد والقرابة التي هي من نسله، أي يجعل فيهم النبوءة، ويروى أن ذلك إنما علمه يعقوب من دعوة إسحاق له حين تشبه له بعيصو- والقصة كاملة في كتاب النقاش لكني اختصرتها لأنه لم ينبل ألفاظها وما أظنه انتزعها إلا من كتب بني إسرائيل، فإنها قصة مشهورة عندهم، وباقي هذه الآية بيّن. و «النعمة» على يوسف كانت تخليصه من السجن وعصمته والملك الذي نال وعلى إِبْراهِيمَ هي اتخاذه خليلا وعلى إِسْحاقَ فديته بالذبح العظيم، مضافا ذلك كله إلى النبوءة. وعَلِيمٌ حَكِيمٌ مناسبتان لهذا الوعد.
قرأ الجمهور «آيات» بالجمع، وقرأ ابن كثير- وحده- «آية» بالإفراد، وهي قراءة مجاهد وشبل وأهل مكة فالأولى: على معنى أن كل حال من أحواله آية فجمعها. والثانية: على أنه بجملته آية، وإن تفصل بالمعنى، ووزن «آية» فعلة أو فعلة أو فاعلة على الخلاف فيه، وذكر الزجّاج: أن في غير مصحف عثمان: «عبرة للسائلين» قال أبو حاتم: هو في مصحف أبيّ بن كعب.
وقوله: لِلسَّائِلِينَ يقتضي حضا ما على تعلم هذه الأنباء، لأنه إنما المراد آية للناس، فوصفهم بالسؤال إذ كل واحد ينبغي أن يسأل عن مثل هذه القصص، إذ هي مقر العبر والاتعاظ. ويصح أيضا أن يصف الناس بالسؤال من حيث كان سبب نزول السورة سؤال سائل كما روي. وقولهم: وَأَخُوهُ يريدون به: يامين- وهو أصغر من يوسف- ويقال له: بنيامين، وقيل: كان شقيق يوسف وكانت أمهما ماتت، ويدل على أنهما شقيقان تخصيص الأخوة لهما ب أَخُوهُ وهي دلالة غير قاطعة. وكان حب يعقوب ليوسف عليه السّلام ويامين لصغرهما وموت أمهما، وهذا من حب الصغير هي فطرة البشر وقد قيل لابنة الحسن: أي بنيك أحب إليك؟ قالت: الصغير حتى يكبر والغائب حتى يقدم، والمريض حتى يفيق.
وقولهم: وَنَحْنُ عُصْبَةٌ أي نحن جماعة تضر وتنفع، وتحمي وتخذل، أي لنا كانت تنبغي المحبة والمراعاة. و «العصبة» في اللغة: الجماعة، قيل: من عشرة إلى خمسة عشر، وقيل: من عشرة إلى أربعين، وقال الزجاج: العشرة ونحوهم، وفي الزهراوي: الثلاثة: نفر- فإذا زادوا فهم: رهط إلى التسعة، فإذا زادوا فهم: عصبة، ولا يقال لأقل من عشرة: عصبة. وقولهم: لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي لفي اختلاف وخطأ في محبة يوسف وأخيه، وهذا هو معنى الضلال، وإنما يصغر قدره أو يعظم بحسب الشيء الذي فيه يقع الائتلاف. ومُبِينٍ معناه: يظهر للمتأمل.