للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ أراد أرض القطر والموضع الذي ناله فيه المكروه المؤدي إلى سخط أبيه، والمقصد بهذا اللفظ التحريج على نفسه والتزام التضييق، كأنه سجن نفسه في ذلك القطر ليبلي عذرا.

وقوله: أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي لفظ عام بجميع ما يمكن أن يرده من القدر كالموت أو النصرة وبلوغ الأمل وغير ذلك، وقال أبو صالح: أو يحكم الله لي بالسيف. ونصب يَحْكُمَ بالعطف على يَأْذَنَ، ويجوز أن تكون أَوْ في هذا الموضع بمعنى إلا أن، كما تقول: لألزمنك أو تقضيني حقي، فتنصب على هذا يَحْكُمَ ب أَوْ.

وروي أنهم لما وصلوا إلى يعقوب بكى وقال: يا بني ما تذهبون عني مرة إلا نقصتم: ذهبتم فنقصتم يوسف، ثم ذهبتم فنقصتم شمعون حيث ارتهن، ثم ذهبتم فنقصتم بنيامين وروبيل.

قوله عز وجل:

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨١ الى ٨٣]

ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣)

الأمر بالرجوع قيل: هو من قول كبيرهم، وقيل: بل هو من قول يوسف لهم، والأول أظهر.

وقرأ الجمهور «سرق» على تحقيق السرقة على بنيامين، بحسب ظاهر الأمر. وقرأ ابن عباس وأبو رزين «سرّق» بضم السين وكسر الراء وتشديدها، وكأن هذه القراءة فيها لهم تحر، ولم يقطعوا عليه بسرقة، وإنما أرادوا جعل سارقا بما ظهر من الحال- ورويت هذه القراءة عن الكسائي- وقرأ الضحاك: «إن ابنك سارق» بالألف وتنوين القاف، ثم تحروا بعد- على القراءتين- في قولهم وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا أي وقولنا لك: إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ إنما هي شهادة عندك بما علمناه من ظاهر ما جرى، والعلم في الغيب إلى الله، ليس في ذلك حفظنا، هذا قول ابن إسحاق، وقال ابن زيد: قولهم: ما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا أرادوا به:

وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترقّ في شرعك إلا بما علمنا من ذلك، وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ أن السرقة تخرج من رحل أحدنا، بل حسبنا أن ذلك لا يكون البتة، فشهدنا عنده حين سألنا بعلمنا.

وقرأ الحسن «وما شهدنا عليه إلا بما علمنا» بزيادة «عليه» .

ويحتمل قوله: وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ أي حين واثقناك، إنما قصدنا ألا يقع منا نحن في جهته شيء يكرهه، ولم نعلم الغيب في أنه سيأتي هو بما يوجب رقه.

وروي أن معنى قولهم: لِلْغَيْبِ أي الليل، والغيب: الليل- بلغة حمير- فكأنهم قالوا: وما شهدنا

<<  <  ج: ص:  >  >>