للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي أبو محمد: وهذا بعيد التأويل ولا يقول هذا على جهة العناد عاقل، ويجوز في العربية رفع الْحَقَّ على أنه خبر هُوَ والجملة خبر كانَ، قال الزجّاج: ولا أعلم أحدا قرأ بهذا الجائز وقراءة الناس إنما هي بنصب «الحقّ» على أن يكون خبر «كان» ويكون هو فصلا، فهو حينئذ اسم وفيه معنى الإعلام بأن الذي بعده خبر ليس بصفة. وفَأَمْطِرْ إنما يستعمل في المكروه ومطر في الرحمة كذا قال أبو عبيدة.

قال القاضي أبو محمد: ويعارض هذه قوله هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا [الأحقاف: ٢٤] لأنهم ظنوها سحابة رحمة، وقولهم مِنَ السَّماءِ مبالغة وإغراق وهذان النوعان اللذان اقترحوهما هما السالفان في الأمم عافانا الله وعفا عنا ولا أضلنا بمنّه ويمنه.

قوله عز وجل:

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]

وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤)

قالت فرقة: نزلت هذه الآية كلها بمكة، وقالت فرقة: نزلت كلها بعد وقعة بدر حكاية عما مضى، وقال ابن أبزى: نزل قوله وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ بمكة إثر قولهم أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال: ٣٢] ونزل قوله وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة في طريقه إلى المدينة، وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون، ونزل قوله وَما لَهُمْ إلى آخر الآية بعد بدر عند ظهور العذاب عليهم.

قال القاضي أبو محمد: وأجمع المتأولون على أن معنى قوله وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ، أن الله عز وجل لم يعذب قط أمة ونبيها بين أظهرها، فما كان ليعذب هذه وأنت فيهم، بل كرامتك لديه أعظم، قال: أراه عن أبي زيد سمعت من العرب من يقول «ما كان ليعذبهم» بفتح اللام وهي لغة غير معروفة ولا مستعملة في القرآن، واختلفوا في معنى قوله وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فقال ابن عباس وابن أبزى وأبو مالك والضحاك ما مقتضاه: إن الضمير في قوله مُعَذِّبَهُمْ يعود على كفار مكة والضمير في قوله وَهُمْ عائد على المؤمنين الذين بقوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، أي وما كان الله ليعذب الكفار والمؤمنون بينهم يستغفرون.

قال القاضي أبو محمد: ويدفع في صدر هذا القول أن المؤمنين الذين رد الضمير عليهم لم يجر لهم ذكر، وقال ابن عباس أيضا ما مقتضاه: أن يقال الضميران عائدان على الكفار، وذلك أنهم كانوا يقولون في دعائهم غفرانك، ويقولون لبيك لا شريك لك، ونحو هذا مما هو دعاء واستغفار، فجعله الله أمنة من عذاب الدنيا، وعلى هذا تركب قول أبي موسى الأشعري وابن عباس إن الله جعل من عذاب الدنيا أمنتين، كون

<<  <  ج: ص:  >  >>