للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفسرين، في تفسير الدأب، وذلك كله راجع إلى المعنى الذي ذكرناه.

قوله تعالى:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢ الى ١٣]

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣)

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر، «ستغلبون وتحشرون» بالتاء من فوق و «يرونهم» بالياء من تحت، وحكى أبان عن عاصم «ترونهم» بالتاء من فوق مضمومة، وقرأ نافع ثلاثتهن بالتاء من فوق، وقرأ حمزة ثلاثتهن بالياء من تحت، وبكل قراءة من هذه قرأ جمهور من العلماء، وقرأ ابن عباس، وطلحة بن مصرف وأبو حيوة، «يرونهم» بالياء المضمومة، وقرأ أبو عبد الرحمن، بالتاء من فوق مضمومة.

واختلف من الذين أمر بالقول لهم من الكفار، فقيل هم جميع معاصريه من الكفار، أمر بأن يقول لهم هذا الذي فيه إعلام بغيب ووعيد، قد صدق بحمد الله غلب الكفر وصار من مات عليه إلى جهنم، ونحا إلى هذا أبو علي في- الحجة- وتظاهرت روايات بأن المراد يهود المدينة، قال ابن عباس وغيره: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر، وقدم المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع فقال: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا فقالوا يا محمد: لا يغرنك نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، فأنزل الله في قولهم هذه الآية، وروي حديث آخر ذكره النقاش، وهو أن النبي عليه السلام لما غلب قريشا ببدر قالت اليهود: هذا هو النبي المبعوث الذي في كتابنا وهو الذي لا تهزم له راية، وكثرت فتنتهم بالأمر، فقال لهم رؤساؤهم وشياطينهم:

لا تعجلوا وأمهلوا حتى نرى أمره في وقعة أخرى، فلما وقعت أحد كفر جميعهم وبقوا على أولهم، وقالوا:

ليس محمد بالنبي المنصور فنزلت الآية في ذلك، أي قل لهؤلاء اليهود سيغلبون يعني قريشا، وهذا التأويل إنما يستقيم على قراءة «سيغلبون ويحشرون» بالياء من تحت، ومن قرأ بالتاء فمعنى الآية: قل للكفار جميعا هذه الألفاظ، ومن قرأ بالياء من تحت، فالمعنى قل لهم كلاما هذا معناه، ويحتمل قراءة التاء التأويل الذي ذكرناه آنفا، أي قل لليهود ستغلب قريش، ورجح أبو علي قراءة التاء على المواجهة، وأن الذين كفروا يعم الفريقين، المشركين واليهود، وكل قد غلب بالسيف والجزية والذلة، والحشر: الجمع والإحضار، وقوله: وَبِئْسَ الْمِهادُ يعني جهنم، هذا ظاهر الآية، وقال مجاهد: المعنى بئس ما مهدوا لأنفسهم، فكأن المعنى، وبئس فعلهم الذي أداهم إلى جهنم.

وقوله تعالى: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الآية تحتمل أن يخاطب بها المؤمنون وأن يخاطب بها جميع الكفار وأن يخاطب بها يهود المدينة، وبكل احتمال منها قد قال قوم، فمن رأى أن الخطاب بها للمؤمنين فمعنى الآية تثبيت النفوس وتشجيعها، لأنه لما قال للكفار ما أمر به أمكن أن يستبعد ذلك المنافقون وبعض ضعفة المؤمنين، كما قال قائل يوم الخندق: يعدنا محمد أموال كسرى وقيصر، ونحن لا

<<  <  ج: ص:  >  >>