بذلك عذاب القبر، ثم قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ على جهة التعجب، والتقدير أي لا أحد أظلم ممن هذه صفته، وهي بخلاف ما تقدم في صفة المؤمنين من أنهم إذا ذكروا بآيات الله خروا سجدا، ثم توعد تعالى الْمُجْرِمِينَ وهم المتجاسرون على ركوب الكفر والمعاصي بالنقمة، وظاهر الإجرام هنا أنه الكفر، وحكى الطبري عن يزيد بن رفيع أنه قال: إن قول الله تعالى في القرآن إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ إنما هو في أهل القدر.
قال الفقيه الإمام القاضي: يريد القائلين بأن الأمر أنف، وأن أفعال العبد من قبله، قال ثم قرأ يزيد بن رفيع إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ. [القمر ٤٧- ٤٩] .
قال الفقيه الإمام القاضي: في هذا المنزع من البعد ما لا خفاء به، وروى معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ثلاث من فعلهن فقد أجرم، من عقد لواء في غير حق، ومن عق والديه، ومن نصر ظالما» .
قرأ الناس «في مرية» بكسر الميم، وقرأ الحسن بضمها، واختلف المتأولون في الضمير الذي في لِقائِهِ على من يعود فقال أبو العالية الرياحي وقتادة: يعود على موسى، والمعنى لا تكن في شك من أن تلقى موسى، أي في ليلة الإسراء، وهذا قول جماعة من السلف، وقاله المبرد حين امتحن أبا إسحاق الزجاج بهذه المسألة، وقالت فرقة الضمير عائد على الْكِتابَ أي أنه لقي موسى حين لقيه موسى، والمصدر في هذا التأويل يصح أن يكون مضافا للفاعل بمعنى لقي الكتاب موسى، ويصح أن يكون مضافا إلى المفعول بمعنى لقي الكتاب- بالنصب- موسى، وقال الحسن الضمير عائد على ما يتضمنه القول من الشدة والمحنة التي لقي موسى، وذلك أن إخباره بأنه آتى موسى الكتاب كأنه قال وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى هذا العبء الذي أنت بسبيله فلا تمتر أنك تلقى ما لقي هو من المحنة بالناس، وكأن الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقالت فرقة معناه فلا تكن في شك من لقائه في الآخرة.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا قول ضعيف، وقالت فرقة الضمير عائد على مَلَكُ الْمَوْتِ [السجدة: ١١] الذي تقدم ذكره، وقوله فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ اعتراض بين الكلامين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أيضا ضعيف، و «المرية» الشك، والضمير في جَعَلْناهُ يحتمل أن يعود على موسى، وهو قول قتادة، ويحتمل أن يعود على الْكِتابَ وأَئِمَّةً جمع إمام وهو الذي يقتدى