واختلف الناس في المعنيين بقوله: وَآخَرِينَ من هم؟ فقال أبو هريرة وغيره: أراد فارسا، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الآخرون؟ فأخذ بيد سلمان وقال:«لو كان الدين في الثريا لناله رجال من هؤلاء» . أخرجه مسلم. وقال سعيد بن جبير ومجاهد: أراد الروم والعجم، فقوله تعالى: مِنْهُمْ على هذين القولين: إنما يريد في البشرية والإيمان كأنه قال: وفي آخرين من الناس: وقال مجاهد وعكرمة ومقاتل: أراد التابعين من أبناء العرب، فقوله: مِنْهُمْ يريد به النسب والإيمان، وقال ابن زيد ومجاهد والضحاك وابن حبان: أراد بقوله: وَآخَرِينَ جميع طوائف الناس، ويكون منهم في البشرية والإيمان على ما قلناه وذلك أنا نجد بعثه عليه السلام إلى جميع الخلائق، وقال ابن عمر لأهل اليمن: أنتم هم، وقوله تعالى: لَمَّا يَلْحَقُوا نفي لما قرب من الحال، والمعنى أنهم مزمعون أن يلحقوا فهي «لم» زيدت عليها «ما» تأكيدا. قال سيبويه «لما» نفي قولك قد فعل، و «لن» قولك فعل دون قد، وقوله تعالى: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ الآية، تبيين لموقع النعمة، وتخصيصه إياهم بها.
الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ هم بنو إسرائيل الأحبار المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحُمِّلُوا معناه: كلفوا القيام بأوامرها ونواهيها، فهذا كمال حمل الإنسان الأمانة، وليس ذلك من الحمل على الظهر، وإن كان مشتقا منه، وذكر تعالى أنهم لَمْ يَحْمِلُوها، أي لم يطيعوا أمرها، ويقفوا عند حدها حين كذبوا بمحمد عليه الصلاة والسلام، و «التوراة» تنطق بنبوته، فكان كل حبر لم ينتفع بما حمل كمثل حمار عليه أسفار، فهي عنده والزبل وغير ذلك بمنزلة واحدة، وقرأ يحيى بن يعمر:«حملوا» بفتح الحاء والميم مخففة، وقرأ المأمون العباسي:«يحمّل أسفارا» بضم الياء وفتح الحاء وشد الميم مفتوحة، وفي مصحف ابن مسعود:«كمثل حمار» بغير تعريف، والسفر: الكتاب المجتمع الأوراق منضودة، ثم بين حال مثلهم وفساده بقوله تعالى: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ وقوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ الآية، روي أنها نزلت بسبب أن يهود المدينة لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطبوا يهود خيبر في أمره، وذكروا لهم نبوته، وقالوا: إن رأيتم اتباعه أطعناكم وإن رأيتم خلافه خالفناه معكم، فجاءهم جواب أهل خيبر يقولون: نحن أبناء إبراهيم خليل الرحمن، وأبناء عزير ابن الله ومنا الأنبياء ومتى كانت النبوة في العرب، نحن أحق بالنبوة من محمد، ولا سبيل إلى اتباعه، فنزلت الآية بمعنى: أنكم إذا