قال جمهور المفسرين: معنى هذه الآية: وما كان في إذن الله وفي أمره للمؤمن أن يقتل مؤمنا بوجه، ثم استثنى استثناء منقطعا ليس من الأول، وهو الذي تكون فيه إلا بمعنى لكن، والتقدير لكن الخطأ قد يقع.
وهذا كقول الشاعر [الهذلي] : [البسيط]
أمسى سقام خلاء لا أنيس به ... إلّا السّباع وإلّا الرّيح بالغرف
قال القاضي أبو محمد: سقام اسم واد، والغرف شجر يدبغ بلحائه، وكما قال جرير:[الطويل]
من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ ... على الأرض إلّا ريط برد مرحّل
وفي هذا الشاهد نظر، ويتجه في معنى الآية وجه آخر، وهو أن تقدر كانَ بمعنى استقر ووجد، كأنه قال، وما وجد ولا تقرر ولا ساغ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً، إذ هو مغلوب فيه أحيانا، فيجيء الاستثناء على هذا غير منقطع، وتتضمن الآية على هذا إعظام العمد وبشاعة شأنه، كما تقول: ما كان لك يا فلان أن تتكلم بهذا إلا ناسيا، إعظاما للعمد والقصد مع خطر الكلام به البتة، وقرأ الزهري «خطا» مقصورا غير مهموز، وقرأ الحسن والأعمش مهموزا ممدودا، وقال مجاهد وعكرمة والسدي وغيرهم نزلت هذه الآية في عياش بن أبي ربيعة المخزومي حين قتل الحارث بن يزيد بن نبيشة، وذلك أنه كان يعذبه بمكة، ثم أسلم الحارث وجاء مهاجرا فلقيه عياش بالحرة، فظنه على كفره فقتله، ثم جاء فأخبر النبي عليه السلام فشق ذلك عليه ونزلت الآية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قم فحرر» ، وقال ابن زيد:
نزلت في رجل قتله أبو الدرداء كان يرعى غنما وهو يتشهد فقتله وساق غنمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت الآية وقيل: نزلت في أبي حذيفة اليمان حين قتل خطأ يوم أحد، وقيل غير هذا، والله أعلم، وقوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً الآية. بيّن الله تعالى في هذه الآية حكم المؤمن إذا قتل المؤمن خطأ، وحقيقة الخطأ أن لا يقصده بالقتل، ووجوه الخطأ كثيرة لا تحصى، يربطها عدم القصد، قال ابن عباس