لما جعلت قريش سؤالها عن الله تعالى وعن اسمه الذي هو الرحمن سؤالا عن مجهول نزلت هذه الآية مصرحة بصفاته التي تعرف به وتوجب الإقرار بربوبيته، و «البروج» هي التي علمتها العرب بالتجربة وكل أمة مصحرة وهي المشهورة عند اللغويين وأهل تعديل الأوقات وكل برج منها على منزلتين وثلث من منازل القمر التي ذكرها الله تعالى في قوله وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [يس: ٣٩] والعرب تسمي البناء المرتفع المستغني بنفسه برجا تشبيها ببروج السماء. ومنه قوله تعالى: وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: ٧٨] . وقال الأخطل:[البسيط]
كأنها برج روميّ يشيده ... لز بجص وآجور وأحجار
وقال بعض الناس في هذه الآية التي نحن فيها «البروج» القصور في الجنة، وقال الأعمش: كان أصحاب عبد الله يقرؤونها «في السماء قصورا» ، وقيل «البروج» الكواكب العظام حكاه الثعلبي عن أبي صالح، وهذا نحو ما بيناه إلا أنه غير ملخص، وأما القول بأنها قصور في الجنة فقول يحط غرض الآية في التنبيه على أشياء مدركات تقوم بها الحجة على كل منكر لله أو جاهل به. وقرأ الجمهور «سراجا» وهي الشمس، وقرأ حمزة والكسائي وعبد الله بن مسعود وعلقمة والأعمش «سرجا» وهو اسم جميع الأنوار ثم خص القمر بالذكر تشريفا، وقرأ النخعي وابن وثاب والأعمش «سرجا» بسكون الراء، قال أبو حاتم روى عصمة عن الحسن «وقمرا» بضم القاف ساكنة الميم ولا أدري ما أراد إلا أن يكون عنى جمعا كثمر وثمر وقال أبو عمرو وهي قراءة الأعمش والنخعي، وقوله خِلْفَةً أي هذا يخلف هذا، وهذا يخلف هذا، ومن هذا المعنى قول زهير:[الطويل]
بها العين والأرآم يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
ومن هذا قول الآخر يصف امرأة تنتقل من منزل في الشتاء إلى منزل في الصيف دأبا [يزيد بن معاوية] : [المديد]
ولها بالماطرون إذا ... أكل النمل الذي جمعا
خلفة حتى إذا ارتبعت ... سكنت من جلق بيعا
في بيوت وسط دسكرة ... حولها الزيتون قد ينعا
وقال مجاهد خِلْفَةً من الخلاف، هذا أبيض وهذا أسود، وما قدمناه أقوى، وقال مجاهد وغيره من النظار لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أي يعتبر بالمصنوعات ويشكر الله على نعمه عليه في العقل والفهم والفكر،