هو المعتقد في ذلك العلماء المكتوب في تواليفهم، أعني في أن الكرم التقوى وأما أمر الاستئذان فإن تغيير المباني والحجب أغنت عن كثير من الاستئذان، وصيرته على حد آخر، وأين أبواب المنازل اليوم من مواضع النوم وقد ذكر المهدوي عن ابن عباس أنه قال كان العمل بهذه الآية واجبا إذ كانوا لا غلق ولا أبواب ولو عادت الحال لعاد الوجوب.
قال الفقيه الإمام القاضي: فهي الآن واجبة في كثير من مساكن المسلمين في البوادي والصحارى ونحوها، ومعنى الآية عند جماعة من العلماء أن الله تعالى أدب عباده بأن يكون العبيد إذ لا بال لهم والأطفال الذين لم يبلغوا إلا أنهم عقلوا معاني الكشفة ونحوها يستأذنون على أهليهم في هذه الأوقات الثلاثة وهي الأوقات التي تقتضي عادة الناس الانكشاف فيها وملازمة التعري في المضاجع، وهي عند الصباح لأن الناس في ذلك الوقت عراة في مضاجعهم وقد ينكشف النائم، فمن مشى ودخل وخرج فحكمه أن يستأذن لئلا يطلع على ما يجب ستره، وكذلك في وقت القائلة وهي الظهيرة لأن النهار يظهر فيها إذا علا واشتد حره، وبعد العشاء لأنه وقت التعري للنوم والتبدل للفراش، وأما غير هذه الأوقات التي هي عروة أي ذات انكشاف، فالعرف من الناس التحرز والتحفظ فلا حرج في دخول هذه الصنيفة بغير إذن إذ هم طَوَّافُونَ يمضون ويجيئون لا يجد الناس بدا من ذلك. وقرأ ابن أبي عبلة «طوافين» وقال الحسن إذا أبات الرجل خادمه معه فلا استئذان عليه ولا في هذه الأوقات الثلاثة، وقوله بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ بدل من قوله طَوَّافُونَ وثَلاثُ عَوْراتٍ نصب على الظرف لأنهم لم يؤمروا بالاستئذان ثلاثا إنما أمروا بالاستئذان ثلاث مواطن، فالظرفية في ثَلاثَ بينة، قرأ جمهور السبعة «ثلاث عورات» برفع «ثلاث» وهذا على الابتداء، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «ثلاث عورات» بنصب «ثلاث» ، وهذه على البدل من الظرف في قوله ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وهذا البدل إنما يصح معناه بتقدير أوقات «ثلاث عورات» فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وعَوْراتٍ جمع عورة وبابه في الصحيح أن يجيء على فعلات بفتح العين كجفنة وجفنات ونحو ذلك وسكنوا العين في المعتل كبيضة وبيضات وجوبة وجوبات ونحوه لأن فتحه داع إلى اعتلاله فلم يفتح لذلك.
المعنى أن الْأَطْفالُ أمروا بالاستئذان في الأوقات الثلاثة المذكورة وأبيح لهم الأمر في غير ذلك من الأوقات، ثم أمر تعالى في هذه الآية أن يكونوا إذا بلغوا الْحُلُمَ على حكم الرجال في الاستئذان في كل وقت وهذا بيان من الله عز وجل، وقوله: وَالْقَواعِدُ، يريد النساء اللائي قد أسنن وقعدن عن الولد