للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَرْضُ

، لأن الكفر كان يطبقها ويتمادى في جميع أقطارها، ولكنه تعالى لا يخلي الزمان من قائم بحق، وداع إلى الله ومقاتل عليه، إلى أن جعل ذلك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، له الحمد كثيرا. قال مكي: وأكثر المفسرين على أن المعنى لولا أن الله يدفع بمن يصلي عمن لا يصلي وبمن يتقي عمن لا يتقي لأهلك الناس بذنوبهم.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وليس هذا معنى الآية ولا هي منه في ورد ولا صدر، والحديث الذي رواه ابن عمر صحيح، وما ذكر مكي من احتجاج ابن عمر عليه بالآية لا يصح عندي لأن ابن عمر من الفصحاء، وقرأ أبو عمرو وابن كثير: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ، وفي الحج إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ [الآية: ٣٨] ، وقرأ نافع «ولولا دفاع الله» ، «وإن الله يدافع» ، وقرأ الباقون وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ «وإن الله يدافع» ففرقوا بينهما، والدفاع يحتمل أن يكون مصدر دفع ككتب كتابا ولقي لقاء، ويحتمل أن يكون مصدر دافع كقاتل قتالا، قوله عز وجل:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٢]]

تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢)

والإشارة بتلك إلى ما سلف من القصص والأنباء، وفي هذه القصة بجملتها مثال عظيم للمؤمنين ومعتبر، وقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم معدين لحرب الكفار، فلهم في هذه النازلة معتبر يقتضي تقوية النفوس والثقة بالله وغير ذلك من وجوه العبرة.

قوله عز وجل:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٥٣]]

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣)

الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ تِلْكَ رفع بالابتداء، والرُّسُلُ خبره، ويجوز أن يكون الرُّسُلُ عطف بيان وفَضَّلْنا الخبر، وتِلْكَ إشارة إلى جماعة مؤنثة اللفظ، ونص الله في هذه الآية على تفضيل بعض الأنبياء على بعض وذلك في الجملة دون تعيين مفضول. وهكذا هي الأحاديث عن النبي عليه السلام. فإنه قال: «أنا سيد ولد آدم» ، وقال: «لا تفضلوني على موسى» ، وقال: «لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى» ، وفي هذا نهي شديد عن تعيين المفضول، لأن يونس عليه السلام كان شابا وتفسخ تحت أعباء النبوءة، فإذا كان هذا التوقف فيه لمحمد وإبراهيم ونوح فغيره أحرى، فربط الباب أن التفضيل فيهم على غير تعيين المفضول، وقد قال أبو هريرة: خير ولد آدم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وهم أولو العزم والمكلم موسى صلى الله عليه وسلم.

وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آدم أنبي مرسل هو؟ فقال نعم نبي مكلم، وقد تأول بعض الناس أن تكليم آدم كان في الجنة، فعلى هذا تبقى خاصة موسى، وقوله تعالى: وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ قال مجاهد وغيره: هي إشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه بعث إلى الناس كافة وأعطي الخمس التي لم يعطها أحد قبله، وهو أعظم الناس أمة، وختم الله به النبوات إلى غير ذلك من الخلق العظيم الذي أعطاه الله، ومن معجزاته وباهر آياته، ويحتمل اللفظ أن يراد به محمد وغيره ممن عظمت آياته ويكون الكلام تأكيدا للأول، ويحتمل أن يريد رفع إدريس المكان العليّ ومراتب الأنبياء في السماء فتكون

<<  <  ج: ص:  >  >>