معناه يفتش التراب بمنقاره ويثيره، ومن هذا سميت سورة براءة البحوث لأنها فتشت عن المنافقين ومن ذلك قول الشاعر:
إن الناس غطوني تغطيت عنهم ... وإن بحثوني كان فيهم مباحث
وفي مثل: لا تكن كالباحث عن الشفرة، والضمير في قوله: سَوْأَةَ أَخِيهِ يحتمل أن يعود على قابيل ويراد بالأخ هابيل، ويحتمل أن يعود على الغراب الباحث ويراد بالأخ الغراب الميت، والأول أشهر في التأويل، والسوأة العورة، وخصت بالذكر مع أن المراد مواراة جميع الجسد للاهتمام بها، ولأن سترها أوكد، ويحتمل أن يراد «بالسوأة» هذه الحالة التي تسوء الناظر بمجموعها، وأضيفت إلى المقتول من حيث نزلت به النازلة لا على جهة الغض منه بل الغض حق للقاتل وهو الذي أتى «بالسوأة» ، وقرأ الجمهور «فأواري» بنصب الياء.
وقرأ طلحة بن مصرف والفياض بن غزوان «فأواري» بسكون الياء، وهي لغة لتوالي الحركات، ولما رأى قابيل فعل الغراب تنبه على ما يجب أن يصنع بأخيه، ورأى قصور نفسه وجهل البشر بالأمور، فقال يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ الآية واحتقر نفسه ولذلك ندم، وقرأ الجمهور «يا ويلتى» والأصل «يا ويلتي» لكن من العرب من يبدل من الياء ألفا ويفتح الياء لذلك فيقولون «يا ويلتى» ويا غلاما ويقف بعضهم على هاء السكت فيقول يا ويلتاه. وقرأ الحسن بن أبي الحسن «يا ويلتى» ونداء الويلة هو على معنى احضري فهذا أوانك، وهذا هو الباب في قوله يا حَسْرَةً [يس: ٣٠] وفي قوله: يا عجبا وما جرى مجراه من نداء هذه الأمور التي لا تعقل وهي معان، وقرأ الجمهور «أعجزت» بفتح الجيم. وقرأ ابن مسعود والحسن والفياض وطلحة بن سليمان «أعجزت» بكسر الجيم، وهي لغة، ثم إن قابيل وارى أخاه وندم على ما كان منه من معصية الله في قتله حيث لا ينفعه الندم، واختلف العلماء في قابيل هل هو من الكفار أو من العصاة، والظاهر أنه من العصاة، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا من خيرهما ودعوا الشر» .
جمهور الناس على أن قوله: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ متعلق بقوله كَتَبْنا أي بسبب هذه النازلة ومن جراها كتبنا، وقال قوم: بل هو متعلق بقوله مِنَ النَّادِمِينَ [المائدة: ٣١] أي ندم من «أجل» ما وقع، والوقف على هذا على ذلك، والناس على أن الوقف مِنَ النَّادِمِينَ، ويقال أجل الأمر أجلا وأجلا إذا جناه وجره، ومنه قول خوات:
وأهل خباء صالح ذات بينهم ... قد احتربوا في عاجل أنا آجله