للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: «استاع» يستيع بمعنى استطاع يستطيع، وهي لغة مشهورة وقرأ حمزة وحده «فما اسطّاعوا» بتشديد الطاء وهي قراءة ضعيفة الوجه، قال أبو علي: هي غير جائزة، وقرأ الأعمش: «فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا» بالتاء في الموضعين، وقوله هذا رَحْمَةٌ الآية القائل: ذو القرنين، وأشار بهذا إلى الردم والقوة عليه والانتفاع به، وقرأ ابن أبي عبلة «هذه رحمة» ، و «الوعد» : يحتمل أن يريد به يوم القيامة، ويحتمل أن يريد به وقت خروج يأجوج ومأجوج، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «دكا» مصدر دك يدك إذا هدم ورض، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «دكاء» بالمد، وهذا على التشبيه بالناقة الدكاء وهي التي لا سنام لها، وفي الكلام حذف تقديره جعله مثل دكاء، وأما النصب في «دكا» فيحتمل أن يكون مفعولا ثانيا ل «جعل» ، ويحتمل أن يكون «جعل» بمعنى خلق، وينصب «دكا» على الحال، وكذلك أيضا النصب في قراءة من مد يحتمل الوجهين، والضمير في تَرَكْنا لله عز وجل، وقوله يَوْمَئِذٍ يحتمل أن يريد به يوم القيامة لأنه قد تقدم ذكره، فالضمير في قوله بَعْضَهُمْ على ذلك لجميع الناس، ويحتمل أن يريد بقوله يَوْمَئِذٍ يوم كمال السد، فالضمير في قوله بَعْضَهُمْ على ذلك يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ [الكهف: ٩٤] ، واستعارة «الموج» لهم عبارة عن الحيرة وتردد بعضهم في بعض كالمولهين من هم وخوف ونحوه، فشبههم بموج البحر الذي يضطرب بعضه في بعض، وقوله وَنُفِخَ فِي الصُّورِ إلى آخر الآية معني به يوم القيامة بلا احتمال لغيره، فمن تأول الآية كلها في يوم القيامة، اتسق تأويله، ومن تأول الآية إلى قوله يَمُوجُ فِي بَعْضٍ في أمر يأجوج ومأجوج، تأول القول وتركناهم يموجون دأبا على مر الدهر وتناسل القرون منهم فنائهم، ثم نُفِخَ فِي الصُّورِ فيجتمعون، والصُّورِ: في قول الجمهور وظاهر الأحاديث الصحاح، هو القرن الذي ينفخ فيه للقيامة، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنا الجبهة وأصغى بالأذن متى يؤمر» ، فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «قولوا حسبنا الله وعلى الله توكلنا، ولو اجتمع أهل منى ما أقلوا ذلك القرن» ، وأما «النفخات» ، فأسند الطبري إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الصور» قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين» ، وقال بعض الناس «النفخات» اثنتان: نفخة الفزع، وهي نفخة الصعق، ثم الأخرى التي هي للقيام، وملك الصور هو إسرافيل، وقالت فرقة الصُّورِ جمع صورة، فكأنه أراد صور البشر والحيوان نفخ فيها الروح، والأول أبين وأكثر في الشريعة، وقوله وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ معناه: أبرزناها لهم لتجمعهم وتحطمهم، ثم أكد بالمصدر عبارة عن شدة الحال، وروى الطبري في هذا حديثا مضمنه أن النار ترفع لليهود والنصارى كأنها السراب، فيقال هل لكم في الماء حاجة؟ فيقولون نعم، وهذا مما لا صحة له.

قوله عز وجل:

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠١ الى ١٠٦]

الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥)

ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>